نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 164
· رمضانَ شهرُ العِفَّة، وشهرُ شرفِ النفس وزكائها؛ فالصائم يدع طعامَه، وشرابَه، وشهوتَه لله -عز وجل- ويداومُ على هذا الصنيع شهرًا كاملًا؛ فيحصل له بذلك حبسُ النفس عن شهواتها، لتستعدَّ لطلب ما فيه سعادتُها، ونعيمُها، وقبولُ ما تزكو به في حياتِها الأبدية؛ فالصيامُ لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين. وما أشدَّ حاجةَ النفوس إلى أن تروَّض على خلق العفة، ومِنَ العِفَّة ألا يكون الإنسان عبدًا لشهواته، مسترسلًا مع كافة رغباته.
ولا يأتي من وراء الشهوات إلا إذلالُ النفس، وموتُ الشرف، والضعة والتسفّل.
فالصيام يدرب الصائم على أن يمتنع با ختياره عن شهواته؛ فَيصِل بذلك إلى حالةٍ نفسية بالغةِ السُّمُو، ويروِّض نفسه رياضةً عمليةً على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق. والله سبحانه وتعالى جعل مع الفضيلة ثوابَها من الصحة، والنشاط، وجعل مع الرذيلة عقابَها من المرض، والحِطَّة، وسوء السمعة.
· رمضان شهر العزة كما هو معلوم بأن الإسلام دين العزة والكرامة فشهرُ رمضانَ ميدانٌ فسيحٌ لاكتساب العزَّة، والتحلي بها، وذلك من وجوه عديدةٍ متنوعة؛ والمؤمن الصائم ينال العزَّة في هذا الشهر من جراء صيامه، وكثرة أعماله الصالحة، وانقطاعه عما سوى الله، وهذا هو سر العزة الأعظم؛ إذ ينال بسبب ذلك عزةَ نفسٍ، وزيادةَ إيمان وقربًا من الرحمن قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون الآية 8).
وينال المؤمنون العزَّة في هذا الشهر بسبب كثرة إنفاقهم، وإحسانهم إلى الفقراء والمعوزين.
وفي ذلك صيانةٌ للوجوه من السؤال، وإنقاذٌ لكثير من الناس من عوز الفقر، وذِلَّة الحاجة اللذَين قد يَنجرِفان بهم إلى فساد الأخلاق، وضيعة الآداب.
وهكذا يتبيَّن لنا أثرُ الصيام في اكتساب العزة، سواء للأفراد أو للأمة.
· رمضان شهر القوة، والصيامُ الذي فرضه الله على المسلمين؛ يبعث القوة في نفوس الصائمين، فهو من الناحية الصحية قوةٌ للجسم؛ يدفع عنه كثيرًا من الأمراض، ويشفيه من كثيرٍ من العلل. فالصيام يعطي المسلم قوًى معنويةً متنوعةً، لها أكبرُ الأثرِ في سعادة الأفراد والجماعات، فيعطيه: قوةَ الصبرِ، وقوةَ النظام، وقوةَ الطاعة، وقوةَ التحملِ، وقوةَ الإيمانِ.
ولقد قص القرآن الكريم علينا فيما قص: أن أممًا كانت قويةً في مظاهر الحياةِ الماديةِ؛ فعاثت في الأرض فسادًا، وحاربت أنبياء الله ورسله وأولياءه؛ فكانت عاقبة أمرها خسرًا. قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ" (سورة الفجر 6 - 14).
وفي معركة بدر أروعُ مثالٍ شاهدٍ على ذلك؛ فالمسلمون الثلاثُمائة الذين انتصروا في بدر كانوا عربًا ككفار قريش الذين بلغ عددُهم في بدر ألفًا، وأولئك أقرباء هؤلاء، ومن بلد واحد، والسلاحُ الذي في يد الألف أكثرُ وأضر. فانهزم الكفرةُ هزيمةً سجلها القرآن مثلًا رائعًا يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية.
وكما ضربَ القرآنُ المثلَ بالأمة التي تجمع بين القوتين؛ فكذلك ضرب مثلًا للفرد الذي يجمع بين القوتين فَيُفْلِحُ وينجح بموسى -عليه السلام- حين سقى للفتاتين الماء بقوة عضل وجسم، ومشى معهما إلى أبيهما، لا يرتفع طرفُه إليهما عن حياء وتكرم، وخلق نبيل: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}. (القصص 26).
هذا هو الصيام الذي فرضه الله على المسلمين ... وتلك بعض فضائله ...
رمضان في التاريخ:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 164