نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1587
ونوقش هذا الجواب: بأن الأثر الوارد عن ابن عباس لا يثبت عنه في إسناد رواية عبد الرزاق الأجلح الكندي، وفي إسناد رواية الدارمي خصيف الجزري، وكلاهما سيء الحفظ، والقاعدة في الأصول: [أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد روايته]، والقاعدة في الأصول: [أن التعارض فرع الثبوت].
واستدل الجمهور أيضا بما أخرج أبو داود في سننه عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها، وبما أخرجه أيضا عن عكرمة قال: (كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها).
وجه الاستدلال بالخبرين:
أن هذا فعل من الصحابي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، (والدليل على كونه واقعا في زمانه صلى الله عليه وسلم ما ورد من الأحاديث الدالة على وقوع لاستحاضة منهما في ذلك الزمان)، والقاعدة في الأصول-عند جماعة-: [أن وقوع الفعل من الصحابي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز].
وأجيب عنهما من جهتين:
الجهة الأولى: الثبوت:
أُعل الخبران بالانقطاع حيث أنه لم يثبت سماع عكرمة بن عمار من حمنة وأم حبيبة رضي الله عنهما، قال المنذري رحمه الله في مختصر السنن (1/ 195): "وفي سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة نظر، وليس فيه ما يدل على سماعه منهما "، وبناء على ذلك فهما منقطعان، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده].
ونوقش هذا الجواب:
بأن عكرمة بن عمار قد عاصر حمنة وأم حبيبة رضي الله عنهما، واللقاء بينهما ممكن، وليس ممن عرف بالتدليس، فتكون روايته عنهما محمولة على السماع.
الجهة الثانية: الدلالة:
ليس في الخبرين ما يدل على وقوع الفعل -أي وطء المستحاضة- في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من وقوع الاستحاضة في زمانه وقوع الوطء فيه، ولو سلمنا جدلا أنه واقع في زمانه صلى الله عليه وسلم فليس فيه دليل على جواز ذلك، فالقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن وقوع الفعل في زمانه صلى الله عليه وسلم إذا لم يقم دليل على حصوله بمحضره أو بلوغه إليه وإقراره لا يدل على جوازه]، [انظر شرح اللمع لأبي إسحاق الشيرازي (1/ 562)، تقريب الأصول لابن جزي الكلبي (281)، مفتاح الأصول للشريف التلمساني (591)].
وبناء على ما سبق فالراجح في المسألة مذهب الجمهور.
.................................................. ...................................
المسألة السابعة:
في الآية دليل على تحريم إتيان المرأة في دبرها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، [انظر: بدائع الصنائع للكساني الحنفي (1/ 119)، مواهب الجليل للحطاب المالكي (3/ 407)، روضة الطالبين للنووي الشافعي (7/ 204)، كشاف القناع للبهوتي الحنبلي (5/ 188)، المحلى لابن حزم الظاهري (9/ 220)]، أما مأخذ التحريم فعلى الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كون إتيان المرأة في دبرها كذلك فبالقياس على إتيانها في فرجها حال الحيض بجامع الأذى، والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن القياس بالعلة المنصوصة حجة في إثبات الأحكام]، وأثبت بعضهم التحريم من جهة قياس الأولى، وهو ضرب من قياس العلة، وتقريره:
إذا حرُم إتيان المرأة في فرجها حال الحيض لأجل الأذى، فلأن يحرم إتيانها في دبرها من باب أولى، وذلك لأن الأذى في ذلك المحل أفحش وأذم، والقاعدة في الأصول: [أن قياس الأولى حجة في إثبات الأحكام].
قال علاء الدين الكساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع (5/ 119):"ولا يحل إتيان الزوجة في دبرها لأن الله تعالى -عز شأنه- نهى عن قربان الحائض، ونبه على المعنى وهو كون المحيض أذى، والأذى في ذلك المحل أفحش وأذم فكان أولى بالتحريم".
وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله- في أحكام القرآن (1/ 173): "وَسَأَلْت الْإِمَامَ الْقَاضِيَ الطُّوسِيَّ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْفَرْجَ حَالَ الْحَيْضِ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يُحَرِّمَ الدُّبُرَ بِالنَّجَاسَةِ اللَّازِمَةِ".
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1587