نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1580
وهذه مناقشة متجهة، وذلك من جهة أن تَبَنِّيَهُمْ له وصف مؤثر فلا يجوز إسقاطه؛ إذ المتبنَّى قريب من المَحْرَمِ في عدم الميل لزوجة من تبناه، وهذا معتبر في ذهاب ما في النفس، وفي الحديث: «أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة».
- ومنها (أي: أدلة القول الأول): أنه قد ورد عن علي وعائشة -رضي الله عنهما- القولُ بثبوت التحريم برضاع الكبير، ووجه الاستدلال من الأثرين: أن هذا قول صحابي، والقاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي حجة في إثبات الأحكام].
(ونوقش): بأن هذا قول صحابي، والقاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن قول الصحابي ليس بحجة في إثبات الأحكام].
ووجه آخر في النقاش: أن قول الصحابي هنا قد عارضه قول صحابي آخر على ما سوف يأتي -إن شاء الله تعالى- في أدلة أصحاب القول الثاني، والقاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي إذا عارضه قول صحابي آخر سقط الاحتجاج به].
القول الثاني: عدم ثبوت المحرمية برضاع الكبير مطلقا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة –رحمهم الله تعالى-، واستدلوا على ذلك بأدلة:
- منها: ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها رجل فقال لها: «من هذا يا عائشة؟» قالت: هذا أخي من الرضاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة» ووجه الاستدلال به من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما» والقاعدة في الأصول -في مبحث معاني الحروف-: [أن «إنما» تفيد الحصر] (إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه) وهي قائمة مقامَ النفي مع الإثبات، أي: لا رضاعة إلا في المجاعة. فقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الرضاعة»، "إن" حرف توكيد، و"ما" كافة، و"الرضاعة" مبتدأ، والألف واللام فيها للاستغراق، و "من المجاعة" جار ومجرور متعلق بخبر محذوف تقديره: معتبرةٌ، والمجاعة: الحاجة، وهي إنما تكون في زمن الصغر، وإنما تعين تقدير الاعتبار لتعذر الكَوْنِ، فمن المعلوم بالواقع وجود الرضاعة في غير الحاجة. وتقرير الاستدلال من جهة المعنى: أن قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة» قائم مقام النفي مع الإثبات، والتقدير: لا رضاعة إلا من المجاعة، والقاعدة في الأصول: [أن النفي إذا سلط على حقيقة تعين حمله على نفي وجودها، فإذا تعذر فالصحةُ؛ إذْ هي أقرب المجازات] (أي: أقرب للوجود من مجاز الكمال؛ إذ لا يترتب على حمله على الصحة حكمٌ) وبعبارة أخرى: القاعدة في الأصول: [إذا سلط النفي على حقيقة حُمِلَ على نفي معناها الشرعي] ومأخذ هذه القاعدة: أن الشرع محلُّ ورودها، فهو أولى بالاعتبار.
وهذا دليل سالم من المعارضة، فيتعين المصير إليه.
- ومنها: ما أخرجه الترمذي في السنن من حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام» ووجه الاستدلال منه: من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحرم من الرضاعة إلا ...»، فهذا نص صريح على عدم ثبوت التحريم برضاع الكبير، لحصول الفطام في حقه، وعدمِ تحقق فتق الأمعاء، والقاعدة في الأصول: [يجب العمل بالنص ولا يجوز العدول عنه].
(ونوقش): بأن هذا الحديث ليس بثابت، فاطمةُ بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة رضي الله عنها، وهذا انقطاع، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده].
وهذا متجه إن كان مستند القائلين بالانقطاع العلمَ، لا عدمُه.
- ومنها: ما أخرجه أبو داودَ في السنن من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأَنْشَزَ العظم» ووجه الاستدلال منه من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحرم من الرضاع إلا ..» فهذا نص صريح على عدم ثبوت التحريم برضاع الكبير وذلك لعدم تحقق إنبات اللحم وإنشاز العظم في رضاعه، والقاعدة في الأصول: [يجب العمل بالنص ولا يجوز العدول عنه].
(ونوقش): بأن هذا الحديث ليس بثابت، لأنه من رواية أبي موسى الهلالي عن أبيه، وهو وأبوه مجهولان، والقاعدة في الأصول: [أن جهالة الراوي تقتضي رد خبره].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1580