نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1261
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى}.
7 - وحصول نور البصيرة التي تفرِّق بين الحقِّ والباطل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}.
قال الإمام الغزالي: (فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصَّدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية، ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة).
فالنعيم الحقيقي ليس بالمتع الزائلة، ولا باللذات الفانية، وإنما بتوثيق الصلة بالله والمعرفة به، قال الشيخ أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله:
لذّةُ العيشِ حياةٌ ..... بمعانٍ تتجددْ
لا نراها في طعامٍ ..... وشرابٍ يتعدَّدْ
لا ولا بالمالِ يُقنى ..... وشبابٍ يتمرَّدْ
هذه اللذاتُ تفنى ..... ليسَ فيها المرءُ يسعدْ
فاصحبِ اللهَ ووثّق ..... وُصلةً بالله تُعقَدْ
تجِدِ العيشَ سُروراً ..... ونعيماً ليس يَنفَدْ
وتكن فيهِ سعيداً ..... فاتَّصِلْ باللهِ تَسعَدْ
إنَّ حصول اليقين للقلب بالقضاء السابق والتقدير الماضي يُعين العبد على أنْ ترضى نفسُه بما أصابه، فمن استطاع أنْ يعمل في اليقين بالقضاء والقدر على الرِّضا بالمقدور فليفعل، فإنْ لم يستطع الرِّضا، فإنَّ في الصَّبر على المكروه خيراً كثيراً.
فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب:
إحداهما: أنْ يرضى بذلك، وهذه درجةٌ عاليةٌ رفيعة جداً، قال الله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}. قال علقمة: هي المصيبة تصيبُ الرَّجلَ، فيعلم أنَّها من عند الله، فيسلِّمُ لها ويرضى.
وعن أنس أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط) ([10] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn10)).
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء) ([11] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn11)).
وممَّا يدعو المؤمن إلى الرِّضا بالقضاء تحقيقُ إيمانه بمعنى قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ) ([12] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn12)).
وجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسأله أنْ يُوصيه وصيَّةً جامعةً موجَزةً، فقال: (لا تتَّهم اللهَ في شيءٍ من قضائه) ([13] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn13)).
وصاحبُ الرِّضا في راحة ولذة وسرور، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ اللَّهَ بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضا , وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ» ([14] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn14)).
فالرَّاضي لا يتمنَّى غيرَ ما هو عليه من شدَّةٍ ورخاء، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما. وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر.
فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} قال بعض السَّلف: الحياة الطيبة: هي الرِّضا والسَّعادة.
وقال عبد الواحد بن زيد: الرِّضا باب الله الأعظم وجنة الدُّنيا ومستراح العابدين.
وأهل الرِّضا تارةً يلاحظون حكمة المُبْتَلِي وخيرته لعبده في البلاء، وأنَّه غيرُ متَّهم في قضائه، وتارةً يُلاحظون ثوابَ الرِّضا بالقضاء، فيُنسيهم ألم المقتضي به، وتارةً يُلاحظون عظمةَ المبتلي وجلالَه وكمالَه، فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى لا يشعرون بالألم، وهذا يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ، حتى رُبَّما تلذَّذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم، كما قال بعضهم: أوجدهم في عذابه عُذوبة.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1261