قال الشيخ العلامة ابن عثيمين -في "القول المفيد"، (69 - 71)، ط مؤسسة الرسالة-:
(الحديث القدسي: ما رواه النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن ربه، وقد أدخله المُحدِّثون في الأحاديث النَّبوية؛ لأنه منسوب إلى النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- تبليغًا، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلَّغه النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- أمَّته عن الله -عزَّ وجلَّ-.
وقد اختلف العلماء -رحِمَهم الله- في لفظ الحديث القدسي:
هل هو كلام الله -تَعَالى-، أو أن الله -تَعَالى- أوحى إلى رسوله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- معناه واللفظ لفظ رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ على قولين:
القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه؛ لأن النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- أضافه إلى الله -تَعَالى-، ومن المعلوم أن الأصل في القول المُضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقله، لا سيَّما والنبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- أقوى الناس أمانةً وأوثقهم روايةً.
القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظًا ومعنى؛ لكان أعلى سندًا من القرآن؛ لأن النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- يرويه عن ربه -تَعَالى- بدون واسطة؛ كما هو ظاهر السياق؛ أما القرآن فنَزل على النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- بواسطة جبريل؛ كما قال -تَعَالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسُ مِن رَّبِكَ} [النحل: 102]، وقال: {نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الأمينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيًّ مُّبين} [الشعراء: 193 - 195].
الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛ لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله -تَعَالى-، والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا في الأصل.
ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسي فروقًا كثيرة:
منها: أن الحديث القدسي لا يُتعبَّد بتلاوته؛ بمعنى: أن الإنسان لا يتعبد لله -تَعَالى- بمُجرَّد قراءته؛ فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات، والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.
ومنها: أن الله -تَعَالى- تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله -تَعَالى-؛ كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون} [الحجر: 9]، والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن، بل أضيف إليها ما كان ضعيفًا أو موضوعًا، وهذا وإن لم يكن منها لكن نُسب إليها وفيها التَّقديم والتأخير والزِّيادة والنقص.
ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، وأما الأحاديث القدسية، فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه.
ومنها: أن القرآن تُشرع قراءتُه في الصَّلاة ومنه ما لا تصح الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن لا يمسه إلا طاهر -على الأصح-، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل -على القول الراجح-، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن ثبت بالتَّواتر القطعيِّ المفيد للعلم اليقينيِّ، فلو أنكر منه حرفًا أجمع القُراء عليه؛ لكان كافرًا، بخلاف الأحاديث القدسيَّة؛ فإنه لو أنكر شيئًا منها مُدَّعيًا أنَّه لم يثبت؛ لم يَكفر، أمَّا لو أنكره مع عِلمه أن النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- قاله؛ لكان كافرًا لتكذيبه النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
وأجاب هؤلاء عن كون النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم: أن هذا هو الأصل؛ لكن قد يضاف إلى قائله معنىً لا لفظًا؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله -تَعَالى- يضيف أقوالًا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنىً لا لفظًا، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ -قطعًا-).
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[21 - 01 - 2011, 01:16 ص]ـ
فإن الله -تَعَالى- يضيف أقوالًا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنىً لا لفظًا، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ -قطعًا-
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة الطيبة.
فإن الله -تَعَالى- يضيف أقوالًا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنىً لا لفظًا، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ -قطعًا-
وهذا مثل قولِهِ -رحمه الله- في تفسيرِ سورةِ البقرة:
حكى اللهُ -عزَّ وجلَّ- عن الأنبياء والرُّسل ومَن عاندهم أقوالاً، وهذه الحكاية تَحكي قول مَن حُكيت عنه؛ فهل يكون قولَ هؤلاء معجزًا؟
يعني -مثلًا-: فرعون قال لموسى: ?لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهًا غيرِي لَأجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ? [الشعراء: 29]: هذا يَحكيه اللهُ -عزَّ وجلَّ- عن فرعون؛ فيكون القول قولَ فرعون؛ فكيف كان قولُ فرعون مُعجزًا والإعجاز إنَّما هو قول الله -عزَّ وجلَّ-؟
فالجوابُ: أن الله -تعالى- لم يَحك كلامَهم بلفظِه؛ بل معناه؛ فصار المقروءُ في القرآن كلامَ الله -عزَّ وجلَّ-؛ وهو مُعجِز.
[نقلاً من موضوع " الدر الثمين من تفسير العلامة ابن عثيمين (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=3092) "، جمع واختيار: أمّ محمَّد].
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1210