responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1116
لأنّك تعيش حياة واحدة ..
ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[19 - 03 - 2011, 04:16 ص]ـ
لأنّك تعيش حياة واحدة ..

د/ عبد المجيد البيانوني

في ساعة مباركة، جمعتني بأحبّة بعد عهدي بهم سنوات، كان في المجلس شابّ طموح، حقّق في سنوات قليلة من النجاح المهنيّ والتجاريّ ما لا يطمح إليه أمثاله بعقدين من السنين على الأقلّ .. فأمسك ذلك الشابّ بناصية الحديث، واندفع يشكو للحاضرين مأساته .. وكان قريب عهد كما يقول بفقد صديق عزيز عليه، بموت مفاجئ .. وكان حديثه أشبه بساعة حساب للنفس وتقريع ..

وكان خلاصة ما قال: " لا تغترّوا بما يتحدّث الناس عنّي من نجاحات .. قد يكون بعضها صحيحاً .. ولكنّ حياتي سلسلة طويلة من التدهور والأخطاء .. التي لم أعد أجد السبيل للخروج منها .. فأيّ قيمة أو معنى لنجاحي.؟! وهو على حساب تقصيري بحقّ أطفالي، الذين لا يجدون أباهم بجانبهم في الليل ولا في النهار، ولا أجد شيئاً من الوقت أقضيه معهم.! وكنت يوماً ما أحلم أن أكون مثاليّاً في تربيتهم ورعايتهم ..

وأيّ قيمة أو معنى لنجاحي.؟! وهو على حساب تقصيري بحقّ زوجتي .. التي لا تراني إلاّ قلقاً متوتّراً.؟! ولا تسمع منّي إلاّ مشكلات عملي، واتّصالات متعدّدة لمتابعة أعمالي مدّة وجودي معها ..

وأيّ قيمة أو معنى لنجاحي.؟! وهو على حساب تقصيري بحقّ والديّ .. اللذين لا أراهما إلاّ سويعة كلّ أسبوع، ولا يسعفني الوقت لتقديم أيّ خدمة مباشرة لهما.؟! ولا تراني والدتي إلاّ مهموماً مشغولاً ..

وأيّ قيمة أو معنى لنجاحي.؟! وهو على حساب تقصيري بحقّ الله تعالى .. وقد أصبحت أصلّي الصلاة، وقلبي وفكري يسرح يمنة ويسرة، وربّما أرتج عليّ حتّى في قراءة الفاتحة.؟! وربّما قرأت السورة كلّها، ولم أعِ منها كلمة واحدة.!

لقد أصبحت أحسّ أنّني كالسيارة المندفعة من قمّة جبل بلا كوابح، فأيّ حال ستؤول إليه.؟! أو كالآلة الصمّاء التي لا تعقل ولا تحسّ .. وأنهى صاحبنا كلامه، والأسى يعتصر حروفه وأنفاسه، وقال بكلّ أدب: أريد منكم أيّها السادة أن تقدّموا لي المخرج من هذه الدوّامة ..

فأدلى كلّ من الحاضرين بدلوه، وكان أكثر ما قيل من قبيل العمومات، والمواعظ التي يعرفها، ولكنّه لا يعرف الطريق إليها .. وعندما طلب منّي أن أقول رأيي قلت له: أظنّ أنّي سمعت منك ما يشبه هذا القول منذ سنتين، ولو كتب لنا أن نلتقي بعد سنة أو سنوات لربّما سمعنا منك أيضاً ما يشبهه.! فأنت في صحوة ضمير مؤقّتة .. ومعنى هذا أنّك تراوح مكانك، وتدور في حلقة مفرغة، وأنّك بحاجة إلى أن تكفّ عن جلد النفس وتقريعها، وتبدأ منذ هذه اللحظة بالتغيير، وتخطو أوّل خطوة في طريقه .. والتغيير يتطلّب منك يا أخي صحوة ضمير صادقة، وعقيدة راسخة: أنّك لن تعيش في هذه الدنيا سوى هذه الحياة، التي هي ميدان الاختبار والابتلاء، وأنّ الخسارة فيها لا تعوّض، ومفقودها لا يردّ، وما فات وقته عزّ عليك تداركه ..

فما الحلّ إذن.؟! الحلّ يا صاحبي في نظري باختصار وبكلمات محدودة ومعدودة، كما يعلّمنا النبيّ e في وصيّته الجامعة: " أعط كلّ ذي حقّ حقّه ":

فهذه الجملة النبويّة المباركة تقرّر مبدأ إسلاميّاً وفطريّاً في آن واحد، وهو مبدأ محوريّ في حياة الناس .. إنّه مبدأ التوازن .. التوازن في الفهم .. والتوازن في السلوك .. والتوازن في العلاقات .. التوازن الذي يعني الوقوف مع الأولويّات بصرامة .. والتوازن صنو النجاح الحقيقيّ، الذي لا يقبل التجزئة، ولا يغفل شيئاً من كيان الإنسان وعلاقاته .. والتوازن والنجاح يعنيان سعادة الإنسان، وطمأنينة نفسه، وراحة ضميره .. التوازن يا أخي يملأ حياتك بهجة وسروراً، لأنّه يجدّد حياتك، ويذكي حيويّتك، ويحفّز همّتك ونشاطك، وأنت تنتقل من واجب إلى آخر، تؤدّي مسؤوليّة هنا، ثمّ تسدّ ثغرة في مسؤوليّة أخرى هناك .. ويجعلك ترى بعينيك كيف أنّ مسؤوليّاتك تتضافر كلّها لتحقيق أهدافك ..

¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست