responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1078
السحر حق وله تأثير
ـ[أم محمد]ــــــــ[17 - 04 - 2011, 01:07 ص]ـ
البسملة1

قال العلامة حافظ الحَكمي -رحمهُ الله- في شرحه لمنظومته الجامعة النافعة "سلم الوصول .. ":
فصل: في بيان حقيقة السِّحر، وحُكم السَّاحر، وذِكر عقوبة مَن صدَّق كاهنًا.
أي: ما عليه مِن العقوبة شرعًا، وأن منه -أي مِن السِّحر- علم التَّنجيم: وهو النَّظر في النُّجوم، وذكر عقوبة مَن صدَّق كاهنًا بِقلبِه، ويعني عقوبتَه الوعيدية.
والسِّحر حقٌّ وله تأثيرُ ... لكنْ بِما قدَّرهُ القَديرُ
أعنِي بِذا التَّقديرِ ما قدْ قدَّرهْ ... في الكَونِ لا في الشِّرعةِ المُطهَّرهْ
(والسِّحر حقٌّ) يعني: مُتحقِّقٌ وُقوعُه ووجودُه، ولو لم يكنْ موجودًا حقيقةً؛ لم تَردِ النَّواهي عنه في الشَّرع، والوعيدُ على فاعِله، والعقوباتُ الدينيةُ والأخرويَّةُ على مُتعاطيهِ، والاستِعاذةُ منه أمرًا وخبرًا.
وقد أخبر الله -تَعالى- أنه كان موجودًا في زمن فِرعون، وأنَّه أراد أن يُعارضَ به مُعجزات نبي الله موسى -عليهِ السَّلام- في العصا بعد أن رماهُ هو وقومُه به بِقولِهم: {إنَّ هذا لسَاحِرٌ عليمٌ} إلى قولِه: {يأتوكَ بكلِّ سَحَّارٍ عليمٍ} [الشعراء: 34 - 37] ...
وأخبر -تعالى- عن قومِ صالح -وكانوا قبل إبراهيم-عليهِ السَّلام- أنَّهم قالوا لنبيِّهم -عليهِ السَّلام-: {إنَّما أنتَ من المُسحَّرين} [الشعراء: 153].
وكذا قال قومُ شعيبٍ له -عليهِ السَّلام-: {قالُوا إنَّما أنتَ مِن المُسحَّرين} [الشعراء: 185].
وقالت قريش لنبينا محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما ذكر الله -تَعالى- عنهم في غير موضع؛ بل ذكَر الله -عزَّ وجلَّ- أن ذلك القولَ تداولَه كلُّ الكفار لرسلِهم؛ فقال -تعالى-: {كذلكَ ما أَتَى الذينَ مِن قَبلِهم مِّن رَّسولٍ إلا قَالوا ساحِرٌ أو مَجنونٌ - أتَواصَوا بِه} [الذاريات: 52 - 53] ...
(وله تأثيرُ): فمِنه ما يُمرض، ومنه ما يَقتل، ومنه ما يأخذ بالعقول، ومنه ما يأخذ بالأبصار، ومنه ما يُفرِّق بين المرء وزوجِه.
(لكنْ): تأثيرُه ذلك إنما هو (بِما قدَّرهُ القَديرُ) -سُبحانهُ وتَعالى-؛ أي: بما قضاهُ وقدَّره وخلَقَه عندما يُلقي السَّاحر ما ألقى.
وذلك قُلنا: (أعنِي بِذا التَّقديرِ) في قولِه (بِما قدَّرهُ القَديرُ)؛ (ما قدْ قدَّرهْ في الكَونِ) وشاءَه، (لا) أنَّه أَمَر به (في الشِّرعةِ) التي أرسلَ اللهُ بها رسلَه، وأنزل بها كتُبهُ (المُطهَّرهْ) ..
المقصود: أن السِّحر ليس بمؤثِّر لذاتِه -نفعًا ولا ضرًّا-؛ وإنَّما يؤثِّر بقضاء الله -تَعالى- وقدَره، وخلْقِه وتكوينه؛ لأنَّه -تعالَى- خالقُ الخير والشَّر، والسِّحرُ من الشَّر؛ ولهذا قال -تَعالى-: {فيتعلَّمونَ مِنهُما ما يُفرِّقونَ به بينَ المرءِ وزَوجِه وما هُم بضارِّين بهِ مِن أحدٍ إلا بإذنِ اللهِ} [البقرة: 102]، وهو القضاء الكونيُّ القدَري؛ فإن الله -تَعالى- لم يأذن بذلك شرعًا.
وقد ثبت في "الصحيحين" من طرق عن عائشة -رضيَ الله عنهَا- قالت: سُحِر رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-، حتى إنَّه ليُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشَّيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يومٍ وهو عندي، دعا الله -عزَّ وجلَّ-، ودعاه، ثم قال: "أشَعرتِ يا عائشةُ أنَّ اللهَ قد أفتاني فيما استَفْتَيتُه فيه"، قلتُ: وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "جاءَني رَجُلانِ، فجلسَ أحدُهما عند رأسي، والآخَرُ عند رِجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبِه: ما وجعُ الرَّجل؟ قال: مَطبوب. قال: ومَن طبَّه؟ قال: لبيدُ بن الأعصم اليهودي من بني زُريق، قال: فبِماذا؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطةٍ وجُفِّ طلعة ذكَر. قال: فأين؟ قال: في بئرِ ذي أرْوان. قال: فذهب النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أناسٍ من أصحابِه إلى البئر، فنظر إليها، وعليها نخلٌ، ثم رجع إلى عائشة، فقال: "واللهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعةُ الحِناء، ولكَأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشَّياطين". قلتُ: يا رسول الله؛ أفأخرجتَه؟ قال: "لا، أمَّا أنا فقد عافاني اللهُ عزَّ وجلَّ وشفاني، وخَشِيتُ أن أثورَ على النَّاس مِنه شرًّا"، وأمرَ بها فدُفنت.
وفي رواية: قال: ومَن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، رجلٌ من بني زُريق، حليفٌ ليهود كان مُنافقًا، قال: وفيمَ؟ قال: في مُشطٍ ومُشاقة، قال: وأين؟ قال: في جُف طلعة ذكَر تحت راعوفةٍ في بئر ذروان -وذَكَره-. هذا لفظ البخاري.
"المُشاطة": ما يخرج من الشَّعر، و"المشط": أسنانُ ما يُمشَط به، و"المُشاقة": من مشاقة الكتان، و"جُف طلعة": غِشاؤها، وهو الوعاء الذي يكونُ فيه الطَّلع، "تحت راعوفةٍ": هو حجرٌ يُترك في البئر عند الحَفر، ثابت لا يُستطاع قَلعُه، يقوم عليه المستقي، وقيل: حجر بارز من طيِّها، يقف عليه المُستقي والناظر فيها، وقيل: في أسفل البئر يجلس عليه الذي يُنظفها لا يمكن قلعُه لصلابته. والله -سبحانه وتَعالى-أعلم.

[باختصار من: "معارج القبول بشرح سلم الوصول"، (2/ 683 - 686)، دار ابن الجوزي].

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 1078
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست