نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1003
والإنسانُ: هذا المخلوقُ الَّذي له أعضاءٌ -كاليدِ والقَدَمِ والرَّأسِ وغيرِها-؛ يَجبُ عليهِ أنْ يَعْرِفَ الوظائفَ المطلوبةَ منهُ لإِشغالِ هذهِ الأعضاءِ، ولا يكونُ ذلك إلا بمعرفةِ الأوامرِ والفرائضِ التي فَرَضَها الله -سُبحانَهُ- على هذا الإِنسانِ.
ولكُلِّ إنسانٍ عَقْلٌ، ووظيفةُ العَقْلِ هي التَّفكيرُ، فإذا تعطَّلتْ هذه الوظيفةُ؛ فَسَدَ عمَلُ العَقْل، وعُطِّل مِن أهَمِّ وظائفهِ؛ وبالتَّالي: كان هذا سَبَبًا في الابتِعادِ عمَّا فيهِ الخير، والاقترابِ مِمَّا فيه الشَّر.
(7)
ولقد دعانا خالِقُنا اللهُ -سُبحانَهُ- في القُرآنِ الكريم إلى التَّفكير فيما نحنُ فيه؛ فقال:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].
وقال:
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم: 8].
واللهُ -سُبحانَهُ- حينَ دَعا خَلْقَه إلى التَّفكيرِ إنَّما جَعَلَ ذلك ضِمْنَ قُدْرةِ العقْلِ واستِطاعَتِه.
فَدَعانا -سُبحانَهُ- إلى النَّظَر فيما خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ في السَّماواتِ والأرض، وفي أنْفُسِنا، وفي البَشرِيَّة جميعًا، دعانا للنَّظَر في هذا العالَمِ الواسِع الذي كُلُّه مِن خَلْقِ اللهِ -سُبحانَهُ- وإيجادِه.
(8)
فإذا ما فكَّر الإنسانُ وتأمَّل؛ فإنَّه سَيخْرُجُ بنتيجةٍ حتْمِيَّةٍ؛ وهي: أنَّ لهذا الكونِ الواسعِ الكبيرِ العظيمِ خالِقًا عظيمًا، ومُوجِدًا كريمًا، وهو «اللهُ» ربُّنا -سُبحانَهُ وتَعالَى-.
خالِقُ الإِنسانِ والنَّباتِ والحيوانِ.
خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ والبِحارِ.
خالِقُ كُلِّ ما نَراهُ في هذا العالَمِ الكبيرِ.
(9)
و «اللهُ» -سُبحانَهُ وتَعالَى- موصوفٌ بصِفاتٍ جليلةٍ وصَفَ بها نفسَه العظيمةَ في القرآنِ الكريم، ووصَفَه بها أعلمُ خَلْقِه به؛ ألاَ وهو آخِرُ أنبيائِه سيدُنا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فمِن هذه الصِّفاتِ:
· الرَّحمة.
· العِزَّة.
· المغفِرةُ.
· القَهْر.
وغيرُها كثيرٌ مِما وَردَ في القرآنِ الكريم، أو في أحاديثِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
والغَرَضُ الأساسيُّ مِن تَعريفِنا بهذه الصِّفاتِ: هو أنْ نعلَمَ عظمةَ اللهِ -سُبحانَهُ- وقُدرتَه، وأنْ نقفَ مِن أنفُسِنا على ضَعفِ أنفُسِنا وحاجَتِنا لهذا الإِلهِ العظيمِ -سُبحانَه-.
(10)
ولقد بَيَّن لنا ربُّنا -سُبحانَهُ- الغايةَ التي مِن أجلِها خَلَق الخلْقَ كُلَّه، وبيَّن لنا السبَبَ الذي مِن أجلِه أوْجَدَ هذه الحياةَ الدنيا بِكُلِّ ما فيها.
يقول اللهُ -سُبحانَهُ-:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذَّاريات: 56].
(11)
فالعبادةُ هي الغايةُ التي يجبُ علينا أنْ نُؤدِّيَها حقَّ أدائِها؛ طاعةً للهِ -سُبحانَهُ-، وشُكرًا له على ما أعطانا مِن نِعَمٍ كثيرةٍ وفوائدَ وَفِيرةٍ.
يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ-:
{وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} [النَّحل: 18].
(12)
إذا عرَفْنا ما تقدَّم بيانُه:
فيَجِبُ علينا أنْ نعبُدَ اللهَ -سُبحانَهُ- العبادةَ الصَّحيحةَ، وأنْ تكونَ هذه العبادةُ للهِ وحدهُ لا شَريكَ له.
فالدُّعاءُ له.
والخوفُ منه.
والاستِعانةُ به.
وهكذا .. فجميعُ العِبادات لا تكونُ إلا لهذا الإلهِ العظيمِ الخالِقِ الرَّازقِ، القويِّ العَزيز، الموصوفِ بالصِّفاتِ الجليلةِ العظيمةِ.