responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 373
وثانىَ عشر: كيف توصل علماؤنا القدامى من أهل النحو إلى هذا النظام الإعرابى طبقا لما يزعمه الدكتور؟ وما الذى دفعهم إلى التفكير فى هذا النظام الذى لم يكونوا هو ولا أسلافهم يعرفونه ولا كان يعرفه أحد من أهل الأرض كما يقول هو ذاته؟ ثم أنى لهم تفريعه وتشقيقه وتبويبه وتقعيده، وهو بهذا التشابك والتداخل؟ وما الذى أكرههم على الدخول فى هذه المضايق، ولديهم لغة سهلة لا تعرف هذه الصعوبات ولا شكا أحد من عجزها عن الإبانة عن أى فكرة أو شعور؟ أهو جحود بالنعمة وبطر وأشر، والسلام؟ أهو عبث من عبث الأطفال لا يقدر أصحابه المسؤولية ولا يبالون بالعواقب ولا يفكرون إلا فى اللحظة الراهنة ولا ينظرون إلا تحت أرجلهم؟
وثالثَ عشرَ: كيف يا ترى تم فرض النحو الجديد فى ذلك الوقت على العرب، وكذلك على المسلمين الذين اتخذوا لغة العرب لغة لهم بطول العالم الإسلامى وعرضه فى وقت لم تكن فيه مدارس ولا صحف ولا إذاعة ولا ... ولا ... ؟ ومن هم المعلمون الذين قاموا بهذا الدور؟ وكيف أدوا عملهم؟ وما العقبات التى قابلتهم؟ وما الطرائف التى وقعت لهم أو منهم أو من الجماهير؟ ثم إذا كان هذا أمرا يخص العرب، فكيف دخل النحاة وعلماء اللغة الأعاجم فى اللعبة وانخرطوا فيها دون أن يثيروا أية مشاكل؟ نعم كيف وافق علماء النحو ذوو الأصول الأعجمية على هذا الإزعاج، وهم الذين تعلموا العربية تعلما حتى ليمكنك أن تقول إنهم، بمعنى من المعانى، قد تعمَّلوها تعمُّلاً؟ إننا مثلا نقرأ فى أخبار سيبويه الأعجمى أشهر علماء النحو العربى أن حماد بن سلمة المحدث المشهور الذى كان نحويّنا يتتلمذ على يديه قد لفته إلى أنه يلحن فى نطقه لبعض الأحاديث النبوية فصمم على التزود أكبر زاد بشؤون اللغة والنحو ولزم حلقات النحويين واللغويين وأخذ كل ما عندهم فى هذا الميدان كما يقول د. شوقى ضيف فى كتابه: "المدارس النحوية" (ط3/ دار المعارف/ 1967م/ 57). لقد كان رد الفعل الطبيعى والمنطقى أن يتململ سبيويه من هذه الملاحظة وأن يقول مثلا إن السبب فى لحنه هو ذلك الإعراب الذى ابتدعه العلماء بعد أن لم يكن ثَمَّ إعرابٌ تعرفه العرب، فجاء العلماء وعقّدوا كل شىء!
ولم يكن سيبويه هو النحوى الأعجمى الوحيد بين علماء النحو العربى، بل كان هناك فى تلك الفترة المبكرة التى يشير إليها د. أنيس ابن أبى إسحاق الحضرمى مولى آل الحضرمى، وعيسى بن عمر الثقفى مولى آل خالد بن الوليد، ويونس بن حبيب من موالى بنى ضبة، والأخفش الأوسط، وكان فارسى الأصل ... (انظر فى تراجم هؤلاء كتاب "المدارس النحوية" للدكتور شوقى ضيف/ 23، 25، 28، 94)، وبعضهم كان يعيب العرب ويسىء إليهم كابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر مثلا كما ذكر أبو طاهر المقرئ فى كتابه: "أخبار النحويين". ثم كيف يا ترى تقبلت جماهير الناس تلك العطية المرهقة المزعجة من علماء النحو دون تذمر أو مقاومة؟ أم تراهم قد رفضوا ذلك وحرنوا؟ لكن إذا كانوا قد رفضوا وحرنوا، فكيف استطاع أولئك العلماء أن يجبروهم على تجرع تلك الغصة؟ وما الذى كان فى أيديهم من وسائل التأديب والتخويف والعقاب فأرهبوهم وأرعبوهم به؟ أم تراهم سحروهم وغَشَّوْا على أبصارهم وأسماعهم حتى أدخلوه فى أذهانهم إدخالا على غفلة منهم ثم تركوهم حتى اكتشفوا ما حصل بعد أن كان الوقت قد فات، ولم يعد من سبيل إلى استدراك ما حصل؟
أم هل كانت اللغة العربية المسكَّنة الأواخر تشكل عبئا باهظا على عرب الجاهلية وعصر المبعث والخلافة الراشدة وبنى أمية فعمل العلماء فى أواخر القرن الأول أو أوائل القرن الثانى، طبقا لما تهرف به نظرية د. أنيس، على تذليل هذا العبء بإدخال الإعراب؟ لكنْ ها هى ذى نصوص الشعر والخطابة والأمثال وغيرها فى الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموى تحت أيدينا بمقادير كبيرة، فليفلِّها د. أنيس وأشياعه وليأخذوا راحتهم فى التفلية، وأتحداهم أن يجدوا نصا واحدا يشير إلى أن اللغة المسكَّنة الأواخر، إن كانت هناك فى ذلك الحين تلك اللغة المتوهمة التى ليس لها وجود إلا فى خيالات إبراهيم أنيس، كانت تشكل أى عبء على العرب. وحتى لو افترضنا أن ذلك قد حدث، وهو مستحيل، فهل الخروج من تلك الصعوبة يكون باللجوء إلى الإعراب، شأن المستجير من الرمضاء بالنار؟ ألا يرى القارئ مدى سخف هذه النظرية وتنطعها كيفما نظرنا إليها، ومن
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 1  صفحه : 373
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست