لقد كان أبو هريرة يشعر بدافع داخلي ذاتي، وإحساس ضمني نحو رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي تطيب نفسه برؤيته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وينشرح صدره لحديثه، لهذا كثيراً ما نرى أبا هريرة يبذل جهده في خدمة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أنه كان يحمل له الماء لقضاء حاجته، وهو في هذا كله ينهل من المعين الصافي، الكثير الطيب، يسأل الرسول تارة، ويسمع منه أخرى، ويجالسه حيناً، ويراه أحياناً؛ فيتعلم دقيق أحكام الشريعة وعظيمها، من هذا ما أخرجه أبو داود بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ، فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ [2] ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ [3]، فَقَالَ: «اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ، فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ». أحب أبو هريرة أنْ يقدم للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساعة
(1) " مسند الإمام أحمد ": ص 72، حديث 7919، جـ 15. [2] الدباء: القرع، الواحدة منها دباءة. كانوا يُجَفِّفُونَ القرع ويجعلونه كالآنية. [3] ينش: أي يغلي من نفسه لتخمُّره.
(4) " سنن أبي داود ": ص 301، جـ 2. كانوا يطلقون اسم النبيذ على نقيع التمر أو الزبيب، لأنهم كانوا ينبذونها في الماء ريثما يصير حلواً، عن السَيِّدَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -عَنْ، قَالَتْ: «كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سِقَاءٍ، فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَعَشِيَّةً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً». قالت: «وَكُنَّا نَغْسِلُ السِّقَاءَ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مَرَّتَيْنِ فِي اليَوْمِ». أخرجه الخمسة والإمام مالك. انظر ص 167، جـ 2 من " تيسير الوصول ". فالنبيذ عندهم هو ما نسمِّيه «الخشاف» في عصرنا، وأما النبيذ المعروف الآن، وغيره من المسكرات فهي حرام، لا يجوز تناولها. فقد أخرج أصحاب السُنن عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وغيره مِمَّا يثبت حرمة جميع المسكرات. انظر " تيسير الوصول ": ص 163، جـ 2.
نام کتاب : أبو هريرة راوية الإسلام نویسنده : الخطيب، محمد عجاج جلد : 1 صفحه : 107