والإنسان بفِطرته وعَوامل خَلْقه وتَكوينه، يَميل لإشباع تلك الغَرائز، فيَحدُث الصِّراع داخِل كيانه حَيث تُحاول كلّ غَريزة أن تَجذبه إليها، وتَدفعه بقوّة لإشباعها؛ ولو تُرك الشخص دون ضوابِط الدِّين وأحكام الشَّرع وتقاليد المُجتمع المُسلم التي تتلاءم مع الفِطرة النَّقية، لانطلق الإنسان كالجواد الجَامِح الذي لا يُوقفه شيء.
ومن رحمة الله بالإنسان: أنه لم يَدعه للغَرائز تَفترسه، ويَنساق معها دون ضوابط أو روابط، بل أودع بين حنايا نَفْسه مقاييس ومَوازين اعتدال السلوك وسَلامة التَّصرف، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد:10)، أي: طَريق الخَير، وطَريق الشَّر.
وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} (الإنسان:2، 3).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((البِرُّ ما اطمأنّتْ إليه النّفسُ. والإثمُ ما حَاك في صَدرك، وكَرهتَ أن يَطَّلعَ عَليه النّاس)).
هذا بجانب دعوات الأنبياء والمرسلين، عَبر تاريخ الإنسانية التي تُنظِّم غَرائز الإنسان وتمنعُها من التصادم والتصارع.
فالدّعوة إلى الله ضرورة إنسانية، يحتاج إليها الإنسان لإصلاح ذاته، ولتحقيق التناسق والتوازن بين رغباته وشهواته، وحَسم الصِّراع داخل نَفسه، وذلك من خِلال تَوجيه الدّعاة للناسَ إلى الله، وبيانهم للحَلال والحَرام وفْق أحكام الدِّين وشَرائعه.
وسوف تَظل الدّعوة -بإذن الله- قائمة، والدّعاة يُؤدّون رسالتهم ما بَقي الإنسان على ظَهر هذه الأرض يَحمل بين جَسده ونَفْسه غَرائزه وشَهواته.
أما عن مبررات ووجوب استمرار الدعوة إلى الله ليوم القيامة فهذا موضوع المحاضرة القادمة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.