حيث لم تظهر المدارس في تاريخ التربية الإسلامية إلا في حدود القرن الرابع الهجري، وكانت في البداية نشأتها فرعًا من فروع المسجد، ثم تطورت إلى أن أصبحت هي من الأصول، وأصبح في بعض الأحيان المسجد جزءًا منها.
وأقول -بناء على هذا الارتباط الوثيق بين المسجد وبين التعليم والعلم في الإسلام، ابتداءً من المدرسة الابتدائية، وانتهاء بالجامعة والمدارس والمعاهد العليا-: ينبغي علينا عند تكوين الأجيال الإسلامية وبناء شخصياتهم العلمية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية، ألا نجعل مَن نعلمهم تفارقهم روح المسجد في هذا البناء وذلك التكوين، وأن يستحضر العاملون في التعليم أعمال المسجد التربوية، وأنشطته الثقافية؛ لأن الإسلام يدعو إلى العلم والعمل، وإلى معرفة ما ينفع من علوم الدين، وما يحتاج إليه المسلم من العلوم المادية الدنيوية، بما لا يتعارض في ذلك مع الإسلام؛ لأن الإسلام لا يعرف الفصل بين الدين والدنيا، أو بين العبادة وبين التعليم، أو بين مطالب الروح ومطالب الجسم.
ومن هنا ينبغي علينا أن نعيد معاهدنا ومدارسنا وجامعتنا ما فقدته من روح المسجد في أعمالها العلمية والتربوية في وقتنا الحاضر، وقد تأثر بعض الناس بالحضارة الأوربية التي تجعل التعليم في مدارسها تعليمًا مدنيًّا خالصًا، ولا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد، وتحصر تعليم الدين في مدارس خاصة، ومعاهد خاصة، لمن يشاء أو يريد.
أما العالم الإسلامي، فلم يمر بالترجمة التي مرت بها أوربا لسبب بسيط، وهو أنه لا رهبانية في الإسلام، أو أنه لا تعارض بين العلم وبين الدين، حتى ولو كانت هذه العلوم من العلوم المادية الدنيوية النافعة، كما أنه لا يوجد في الإسلام الفصل التام بين التعليم الديني والتعليم المدني؛ لأن الإسلام يعتبر التعليمين