استخلف الله آدم في الأرض لعمارتها وإصلاحها، وتنميتها وتحويرها، واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها، واستغلال الثروات الظاهرة والمخبوءة والبلوغ بها إلى الكمال المقدّر لها في علم الله، ولقد وضع الله للبشر منهجاً متكاملاً للعمل على وفقه في هذه الأرض ... في هذا المنهج ليست عمارة الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بطاقاتها هو وحده المقصود، ولكن المقصود هو هذا مع العناية بضمير الإنسان ليبلغ الإنسان كماله المقدَّر له في هذه الحياة ... وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة، وقد يغلب عليها همج ومتبربرون وغزاة، وقد يغلب عليها كفار فجَّار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالاً مادياً، ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق، والوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح ... وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم وهو العمل الصالح، والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله وتجري سنته: ((أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون [1].
(1) " الظلال ": 4/ 2400، وقد ذكر الإمام ابن كثير قولاً عن السلف أن المراد بالأرض الجنة: أنظر "تفسير القرآن العظيم": 5/ 380، وكلا القولين محتمل وله وجه، والله أعلم.