نام کتاب : الجزائر الثائرة نویسنده : الفضيل الورتلاني جلد : 1 صفحه : 462
يرحم نفسه، ولا يخصص لها أدنى نصيب من حقوقها، فقد يشتغل الليل موصولا بالنهار، يعصر مخه وأعصابه، ويرهق جسمه، وقد يمضي عليه اليوم والليلة، وهو منهك في عمل لا يذوق أثنائهما طعاما، وقد يمضي عليه أكثر من ذلك ولا يذوق نوما، وتكاد تكون هذه الحالة عادة له لا تفارقه إلا نادرا، ومما يزيد في خطورة الإرهاق على جسمه، أنه في تصرفاته بإحساساته التي تأخذ من المخ والدم، أكثر مما يعمل بأطرافه التي تفتر ثم تنشط وتتعب، ثم ترتاح وينتهي الأمر عند هذا الحد، ثم لم تترك له هذه الرسالة الدائبة الدائمة، أدنى فرصة لتنظيم حياته الضرورية، كالأكل والشرب والنوم والاستقرار، بل جعل كل ذلك تابعا للعمل خاضعا له، مما أدى إلى اختلال ظاهر في صحته، فلقد أصابه مرض الربو وضيق التنفس، نتيجة للإرهاق، وأصابه مرض السكر نتيجة الإرهاق. وقد أجمع أصدقاؤه الأطباء وغير الأطباء، على وجوب التخفيف من العمل، والإقبال على العناية بصحته، لأن الاستمرار في ذلك الإهمال، إنما هو من الانتحار. على أن أصدق العلاج له هو الراحة قبل كل شيء وأنا في مقدمة أولئك الناصحين، ولكنه لم يستطع أن يستجيب لهذه النصيحة حتى الآن، ولو أنه قد اعترف مرارا بوجاهتها من الناحية النظرية والعلمية، ثم عينه، وأي شيء أغلى عند الإنسان من العين، قد احتاجت منذ سنوات ثلاث، أو أربع، إلى عملية جراحية في أوروبا، ونصح له أصدقاؤه الأطباء التبكير في ذلك، ولكن الرسالة تحمله على تأجيلها شهرا بعد شهر، حتى جاءت ثورة الجزائر، فألهته عن عيونه وأنسته كل شيء، والأمر له من قبل ومن بعد.
تضحياته وتضييعه للفرص
إنني أعلم أن الورتلاني قد ورث عن آبائه وأجداده أموالا كثيرة، لو خصص لها جزءا صغيرا من عنايته، لكان بها من كبار الأغنياء، ولكن انصرافه إلى الرسالة وإهماله لها، كما أهمل صحته في سبيلها، جعل تلك الثروة تتبعثر، وتلعب بها الأيدي الاستعمارية وغير الاستعمارية، وهو يتفرج من بعيد، كأنه لم يكن من أصحابها، وما
نام کتاب : الجزائر الثائرة نویسنده : الفضيل الورتلاني جلد : 1 صفحه : 462