نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 161
فلا تأتوها تسعون، واتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" [1].
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق وقدوتهم، وهم أكمل الناس أناة وحلما، وأعظمهم في ذلك وأوفرهم حظا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن أمثلة ذلك قصة سليمان مع الهدهد وتثبته وعدم عجلته، قال سبحانه عن ذلك: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل: 20 - 21]، نجد نبي الله سليمان النبي الملك الحازم يتهدد الجندي الغائب المخالف، ولكن سليمان ليس ملكا جبارا في الأرض، ولا متسرعا عجولا، وهم لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن يترك الأناة والتثبت ويقضي في شأنه قضاء نهائيا قبل أن يسمع منه ويتبين عذره، ومن ثم تبرز سمة النبي العادل المتثبت (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) أي حجة قوية واضحة توضح عذره وتنفي المؤاخذة عنه [2].
والداعية إلى الله -عز وجل-: إذا تثبت، وتأمل في جميع أموره اكتسب ركنا من أركان الحكمة، ينبغي ألا تقتصر في منهجه المتكامل على التأني والتثبت في الأفعال والأقوال فحسب، بل عليه أن يجري ذلك على القلب في خواطره وتصوراته، وفي مشاعره وأحكامه: (لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، فلا يقول اللسان كلمة، ولا يرو حادثة ولا يحكم العقل حكما، ولا يبرم الداعية أمرًا إلا وقد تثبت من ك ل جزئية ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة، حتى لا يبقى هنالك شك ولا شبهة في صحتها، وحينئذ يصل الداعية المسلم المتمسك بهذه الضوابط إلى أعلى درجات الأناة والحكمة والسداد بإذن الله تعالى [3].
أما العجلة فهي مذمومة، قال سبحانه عن فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف: 54] استخفهم وحملهم على الضلالة والجهل، واستخف عقولهم، يقال: استخفه عن رأيه إذا حمله على الجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب [4]. [1] البخاري مع الفتح، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة (2/ 453). [2] انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب (5/ 2638). [3] المرجع السابق (4/ 2227). [4] تفسير ابن كثير (4/ 130)، وشرح السنة للبغوي (13/ 175).
نام کتاب : الوسطية في القرآن الكريم نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 161