نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 46
ولدينا تجارب حديثة تبرهن لنا على أن عنصر المودة الإنسانية هو يلعب دوراً كبيراً في حلها؛ وليس العقل الفني؛ ففى خلال عامين أحرزت سورية شوطاً كبيراً في تقدمها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أكثر مما حققه استعمار ربع قرن من الزمان في شكل (الوصاية)، وليست إنجلترا المتورعة هي التي حسمت المشكلة الإنسانية الأليمة للمنبوذين في الهند؛ أو حتى وضعتها في طريق الحل، وسنذكر فيما بعد أي تأثير غير مباشر قامت به- على كل حال- في هذا الميدان، ولكن يرجع الفضل كله إلى الجمهورية الهندية الفتية نفسها، تلك التي نصت في دستورها على مبدأ حل المشكلة، وشرعت في تطبيقه في مشروع القانون المعتمد في 27 أبريل سنة 1955م.
وإذن فقد فات الإنسانية بعد أن انتهت المأساة الكبرى عام 1945م أن تعلن عن ليلة 4 أغسطس [1]، أعني أن تعلن سقوط الامتيازات، والمساواة في الحقوق لجميع الشعوب، وهذه هي غلطة الكبار الذين لم يستغلوا الوثبة المحررة آنذاك كيما يحققوا الثورة الكبرى للقرن العشرين، تلك التي من شأنها أن تأتي بحل للأزمة المتأصلة التي قدمت للعالم أسباب الحرب الحقيقية الواقعية مرتين؛ مهما تسترت بأسباب ظاهرية عاجلة.
والواقع أن الأسباب الجوهرية التاريخية التي نتجت عنها جميع الأزمات الخاصة كحرب الترنسفال، وحادثة فاشودة، وأغادير، هي الأسباب نفسها التي أدت إلى قيام الحربين العالميتين، أعني أزمة متأصلة تمتد جذورها في أعماق النفسية الاستعمارية التي سيطرت على السياسة العالمية كلها حتى الآن. ولم تكن فكرة (المجال الحيوي) العزيزة على هتلر إلا نظيراً، ونتيجة نفسية وسياسية لمذهب (الإمبراطورية الاستعمارية) الذي كان الموضوع الجوهري في القرن التاسع عشر. [1] ليلة مشهودة في تاريخ الثورة الفرنسية، وفيها ألغيت الفوارق بين الطبقات.
نام کتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 46