نام کتاب : التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم نویسنده : السقار، منقذ بن محمود جلد : 1 صفحه : 17
ثانياً: ضمان سلامة دور العبادة
وإذا لم يجبر الإسلام من تحت ولايته على الدخول فيه؛ فإنه يكون بذلك قد ترك للناس حرية البقاء على أديانهم، وأول مقتضياته الإعراض عن ممارسة الآخرين لعباداتهم والسماح بها، وضمان سلامة دور العبادة.
وهذا - بالفعل - ما ضمنه المسلمون في عهودهم التي أعطوها للأمم التي دخلت في ولايتهم أو عهدهم، فقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل نجران أماناً شمل سلامة كنائسهم وعدم التدخل في شؤونهم وعباداتهم، وأعطاهم على ذلك ذمة الله ورسوله، يقول ابن سعد: "وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته" [1].
ووفق هذا الهدي السمح سار الخلفاء الراشدون من بعده - صلى الله عليه وسلم -، فقد ضمن الخليفة عمر بن الخطاب نحوه في العهدة العمرية التي كتبها لأهل القدس، وفيها: "بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم .. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين " [2].
ولما خاف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من انتقاض عهده لأهل القدس لم يصل في كنيسة القمامة [3] حين أتاها، وجلس في صحنها، فلما حان وقت الصلاة قال للبترك: أريد الصلاة. فقال له البترك: صل موضعك. فامتنع عمر - رضي الله عنه - وصلى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفرداً، فلما قضى صلاته قال للبترك: (لو صليتُ داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي، وقالوا: هنا صلى عمر).
وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة، ولا يؤذن عليها، ثم قال للبترك: أرني موضعاً أبني فيه مسجداً فقال: على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب، ووجد عليها دماً كثيراً، فشرع في إزالته" [4].
وقد نقل هذه الحادثة بإعجاب المستشرق درمنغم في كتابه " The live of Mohamet" فقال: "وفاض القرآن والحديث بالتوجيهات إلى التسامح، ولقد طبق الفاتحون المسلمون الأولون هذه التوجيهات بدقة، عندما دخل عمر القدس أصدر أمره للمسلمين أن لا يسببوا أي إزعاج للمسيحيين أو لكنائسهم، وعندما دعاه البطريق للصلاة في كنيسة [1] الطبقات الكبرى (1/ 266)، وانظر كتاب الأموال، ابن زنجويه (2/ 449). [2] تاريخ الطبري (4/ 449)، ويجدر هنا التنبيه إلى أن الصيغة التي أوردها ابن القيم رحمه الله في كتابه "أحكام أهل الذمة" للعهدة العمرية لا تصح، وقد نبه العلماء على ضعف سندها، فقال الألباني: " وإسناده ضعيف جداً من أجل يحيى بن عقبة، فقد قال ابن معين: ليس بشيء. وفي رواية: كذاب خبيث عدو الله. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث ". إرواء الغليل (5/ 104). [3] سميت كذلك لأن اليهود كانوا يلقون في مكانها القذر قبل أن تطهره هيلانة أم الامبرطور قسطنطين، وتتخذه كنيسة. انظر: تاريخ ابن خلدون (1/ 435). [4] تاريخ ابن خلدون (2/ 266)، وانظر: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، الأنبا ايسذورس (2/ 97).
نام کتاب : التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم نویسنده : السقار، منقذ بن محمود جلد : 1 صفحه : 17