من في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً فساد القتال إذا كان للدنيا ومتاعها وغاياتها الخسيسة: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)). (1)
إن المتدبر لما ورد في القرآن والسنة وتاريخ المسلمين لن تخطئ عينه رؤية مقصدين نبيلين شرع الله الجهاد لحفظهما:
أولهما: دفع العدوان الواقع على الدين، ذلك العدوان الذي يحول بين الناس ودعوة الحق سماعاً لها أو إيماناً بها، كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} (البقرة: 193)، يقول ابن عمر - رضي الله عنه -: (قد فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه: إما يقتلونه وإما يوثقونه حتى كثر الإسلام). (2)
إن المسلم يمضي قُدُماً بجهاده ليحرر الإنسان، ويضمن له حرية القرار والاختيار، ويدفع بذلك من يحول بين الناس واختيارهم، يدفع شر أولئك الذين يبغون الفتنة والبوار، فقتال هؤلاء مشروع مبرور {والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة: 217).
وقد جلّى ربعي بن عامرٍ يوم القادسية هذا الهدف النبيل حين قال لرستم قائد جيش الفرس في القادسية، وقد سأله: ما جاء بكم؟ فأجاب ربعي: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه". (3)
إن الإيمان أغلى ما يملكه المسلم، وهو أحق ما بذل له وضحّى من أجله، وقد أنصف الكاتب بيجي رودريك ولم يجاوز الحقيقة حين قال: " الإسلام أذن لرسوله
(1) أخرجه البخاري ح (2810)، ومسلم ح (1904).
(2) أخرجه البخاري ح (4515).
(3) انظر: البداية والنهاية (7/ 40).