خافوا من ذهاب زعامتهم وزوال امتيازاتهم، فكذبوه وآذوه، وعذبوا بعضاً من أصحابه بأشد أنواع النكال والعذاب، بل قتلوا بعضهم، رضوان الله على الجميع.
فهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون معه إلى يثرب (المدينة المنورة)، وأقام فيها المجتمع الإسلامي الممتثل بهدي الله، وكان أول ما صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أن بنى مسجده فيها وآخى بين المسلمين بآصرة العقيدة على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، ثم عقد مع يهود المدينة معاهدة للتعايش المشترك الآمن والتعاضد على حماية المدينة.
وفي المدينة المنورة دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - العرب والعجم إلى الإيمان به، فأرسل الرسل إلى ملوك الأرض وحكامها يشرح لهم مبادئ دينهم، فآمن به بعضهم، وناوأه غيرهم، وأرسلوا إليه الجيوش، فقاتل - صلى الله عليه وسلم - من عاداه وأعاق دعوته، حتى نصره الله بنصره، وقبل أن يغادر النبي - صلى الله عليه وسلم - الدنيا عام 633م أقر الله عينيه بانتشار الإسلام في سائر الجزيرة العربية.
وقد أيد الله النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بما يشهد على نبوته من دلائل وبراهين، كما أُيد بذلك من سبقه من إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وخصه الله عنهم بدليل ساطع يدوم بدوام رسالته - صلى الله عليه وسلم -، فلا تنقضي دلالته بتقادم الأزمان، ولا تبلى بتصرم الأيام، وهو القرآن العظيم، الكتاب المعجِز الذي بهر العالمين، وعجز عن الإتيان بمثله الأولون، ولن يأتي بسورة من مثله الآخرون {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً} (الإسراء: 88)، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلُه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعاً يوم القيامة)). (1)
فقد حوى القرآن من العلوم ما حير بأسبقيته وعمقه العلماء، كيف لا وقد أنزله الله العليم بكل شيء {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً} (النساء: 166).
(1) أخرجه البخاري ح (4981)، ومسلم ح (152) واللفظ له.