جميعاً ولاتفرقوا} (آل عمران: 103)، فقد خالفوه وهو يدعوهم إلى التوحد في أمة واحدة {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} (المؤمنون: 52).
إن تشرذم المسلمين وتناحرهم يرجع إلى عوامل كثيرة، لكن أهمها تدخل أياد خفية تكيد لإخوتهم، وتتربص بوحدتهم الدوائر، فالكثير من خلافات المذاهب الإسلامية لم تؤثر في وحدة المسلمين طوال تاريخهم؛ لأنها بقيت في منأى عن الهجمة الاستعمارية المغذية للنعرات المذهبية، كما هو الحال في العلاقة بين السنة والزيدية، أو بين أتباع المذاهب الفقهية الأربعة.
إن المسلمين حين افترقوا لم يفترقوا بسبب اختلافهم حول أصول دينهم، فهذا ما لم تخالف فيه طائفة من طوائفهم المعتبرة، فالكل يؤمن بالله الواحد وصفاته وكتبه وأنبيائه، وأصول شريعته وأركان دينه، وخلافهم بقي بعيداً عن أصول الدين التي لم يختلفوا فيها، فخلاف السنة مع الشيعة - وهو الخلاف الأقوى بين المسلمين اليوم - إنما هو خلاف حول الشخص الأحق باستحقاق الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو خلاف سياسي تاريخي في جذوره، ولم تمس امتداداته أصول الدين من قريب أو بعيد.
وافتراق المسلمين أيضاً قدر الله لكل الأمم، وفيه مصداق نبوءة نبوية لنبينا - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين، فرقة واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار)) قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: ((الجماعة)). (1)
وهكذا فالتفرق ميراثنا من الأمم السابقة، وتناحر بعضنا واقتتالهم مذموم لنكوصه عن هدي الإسلام إلى سبل الضلال والكفر ((فإن دماءكم وأموالكم
(1) أخرجه ابن ماجه ح (3992).