((محمد رسول الله)) إلى كلمة: محمد بن عبد الله، وقبوله شرط سهيل على أن لا يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من قريش حتى ولو كان مسلماً إلاّ ردّه إلى أهل مكة، وقد استشاط الصحابة غيظاً، وبلغ الغضب حدًّا لا مزيد عليه، وهو - صلى الله عليه وسلم - صابر ثابت حتى انتهت الوثيقة، وكان بعد أيام فتحاً مبيناً.
فضرب - صلى الله عليه وسلم - بذلك المثل الأعلى في الشجاعتين: القلبية، والعقلية، مع بُعد النظر، وأصالة الرأي، وإصابته؛ فإن من الحكمة أن يتنازل الداعية عن أشياء لا تضرّه بأصل قضيته لتحقيق أشياء أعظم منها [1].
وجميع ما تقدم من نماذج من شجاعته - صلى الله عليه وسلم - وثباته، وهذا نقطة من بحر، وإلا فإنه لو كُتِبَ في شجاعته - صلى الله عليه وسلم - بالاستقصاء لكُتِبَ مجلدات، فيجب على كل مسلم، وخاصة الدعاة إلى الله - عز وجل - أن يتخذوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوةًَ في كل أحوالهم وتصرفاتهم، وبذلك يحصل الفوز والنجاح، والسعادة في الدنيا والآخرة، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} [2].
المطلب الثالث: صور من صبر الصحابة - رضي الله عنهم -
الصحابة - رضي الله عنهم - لهم مواقف كثيرة جدًّا لا يستطيع أحد أن يحصرها؛ لأنهم - رضي الله عنهم - باعوا أنفسهم، وأموالهم وحياتهم لله، ابتغاء مرضاته، وخوفاً من [1] انظر: وثيقة صلح الحديبية كاملة في البخاري مع الفتح، 5/ 329، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، برقم 4180، 4181، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، برقم 1873، وشرح الوثيقة في الفتح، 5/ 333 - 352، ومسند أحمد، 4/ 328 - 331، وانظر: هذا الحبيب يا محبّ، ص532. [2] سورة الأحزاب، الآية: 21.