وهذا موقف من أعظم مواقف الصبر والحكمة التي أوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو قد ثبت وصدق في دعوته، ولم يرد مالاً، ولا جاهاً، ولا مُلكاً، ولا نكاحاً، من أجل أن يتخلّى عن دعوته، وقد اختار الكلام المناسب في الموضع المناسب، وهذا هو عين الحكمة.
الصورة الرابعة: مع أبي جهل:
قرَّر المشركون ألا يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن دخل معه في الإسلام، والتعرض لهم بألوان النكال والإيلام.
ومنذ جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوته إلى الله، وبيّن أباطيل الجاهلية، انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلت عشرة أعوام تعدّ المسلمين عصاة ثائرين فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، واستباحت في الحرم الآمن دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وصاحبت هذه النار المشتعلة حرب من السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب، وتشويه تعاليم الإسلام، وإثارة الشبهات، وبثّ الدعايات الكاذبة، ومعارضة القرآن، والقول بأنه أساطير الأولين، ومحاولة المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعبد آلهتهم عاماً، ويعبدون الله عاماً! إلى غير ذلك من مفاوضاتهم المضحكة!
واتَّهموا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالجنون، والسحر، والكذب والكهانة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت صابر محتسب يرجو من الله النصر لدينه، وإظهاره [1].
لقد نال المشركون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم ينالوه من كثير من المؤمنين، فهذا [1] انظر: فقه السيرة لمحمد الغزالي، ص106، والرحيق المختوم، ص80، 82، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 2/ 85، 88، 91، 93، 94، وهذا الحبيب يا محبّ، ص110.