وبهذه المواقف الحكيمة، والتربية الصالحة المتينة استطاع محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدِّي الأمانة، ويبلّغ الرسالة، وينصح الأمة، ويجاهد في الله حقّ جهاده، ويرسم لنا طريقاً نسير عليه في دعوتنا وعملنا وسلوكنا، فهو قدوتنا وإمامنا الذي نسير على هديه، ونستنير بحِكَمِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فقد بدأ الدعوة بعناصر اختارها وربّاها، فلبّت الدعوة، وآمنت به، وكانت دعوته عامة للناس، وأثناء هذه الدعوة يركّز على من يجد عندهم الإمكانات أو يتوقع منهم ذلك، وقد تكوَّن من هذه العناصر نواة القاعدة الصلبة التي ثبتت عليها أركان الدعوة [1].
ومع هذا الجهد المبارك العظيم لم يلجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الاغتيال السياسي، ولم يتخلَّص بالاغتيال من أفراد بأعيانهم، وكان بإمكانه ذلك وبكل يسر وسهولة، إذ كان يستطيع أن يكلف أحد الصحابة بقتل بعض قادة الكفر: كالوليد بن المغيرة المخزومي، أو العاص بن وائل السهمي، أو أبي جهل عمرو بن هشام، أو أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب، أو النضر بن الحارث، أو عقبة بن أبي معيط، أو أُبّي بن خلف، أو أُمية بن خلف ... ،وهؤلاء هم من أشدّ الناس أذيّة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فلم يأمر أحداً من أصحابه باغتيال أحد منهم أو غيرهم من أعداء الإسلام؛ فإن مثل هذا الفعل قد يُوْدي بالجماعة الإسلامية كاملة، أو يعرقل مسيرتها مدة ليست باليسيرة، كردّ فعل من أعداء الإسلام الذين يتكالبون على حربه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر في هذه المرحلة باغتيالهم؛ لأن الذي أرسله هو أحكم الحاكمين. [1] التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، 2/ 65.