نعم، ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)). فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [1].
وفي رواية لأبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - ناداهم بطناً بطناً، ويقول لكل بطن: ((أنقذوا أنفسكم من النار ... ))، ثم قال: ((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلُّها ببلالها)) [2].
وهذه الصيحة العالمية غاية البلاغ، وغاية الإنذار، فقد أوضح - صلى الله عليه وسلم - لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم، وأوضح أن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار، الذي جاء من عند الله تعالى، فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - قومه - في هذا الموقف العظيم - إلى الإسلام، ونهاهم عن عبادة الأوثان، ورغّبهم في الجنة، وحذّرهم من النار، وقد ماجت مكة بالغرابة والاستنكار، واستعدّت لحسم هذه الصرخة العظيمة التي ستزلزل عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الجاهلية؛ ولكن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب لصرخاتهم حساباً؛ لأنه مرسل من الله - عز وجل -، ولابدَّ أن يُبلِّغ البلاغ المبين عن رب العالمين، حتى ولو [1] البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، باب وأنذر عشيرتك الأقربين، 8/ 501، برقم 4770، ومسلم بنحوه في كتاب الإيمان، باب قوله: وأنذر عشيرتك الأقربين، 1/ 194، برقم 208، والآيتان من سورة المسد: 1 - 2. [2] البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة الشعراء، باب وأنذر عشيرتك الأقربين، 8/ 501، برقم 4771، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: وأنذر عشيرتك الأقربين، 1/ 192، برقم 204، واللفظ له.