كان يريد علمًا يكمِّل علم الخير، فصار يحرص على أن يخلو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله.
يقول حذيفة - رضي الله عنه -: "كان الناس يسألون رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني".
فأتقن علم الشر بهذا الحرص، وأحاط خُبرًا بما سيكون من فتن وسوء ونفاق، حتى احتاج إلى علمه كبارُ الصحابة، وطفِق مثلُ عمرَ - رضي الله عنه - يسأله، ويستشيره.
والمغزى الأكبر هنا يكمن في استجابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لحذيفة، وجوابه له، وقبولِهِ تعليمه علمَ الشر.
لم يقل له: "إننا في خير، ونسير من نصر إلى نصر، فاصرف عنك الهواجس"؛ بل أجابه، وأعلمه.
وإنما نستمد نحن مُسَوِّغاتِ تطرقِ بحوثِ فقهِ الدعوة لعلم الفتن والقواصم، وما ينجي منها من النور والعواصم، من مواطأة النبي - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة، وتزويده له بما أراد. نتعلم علم الشر كي نراه ونميزه قبل أن يغزونا" [1].
(1) "العوائق" ص (173 - 175).