نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 361
إذ دخلت على التلاميذ فألقيت عليهم درساً، فأحببت التدريس فاشتغلت به. ثم أقام «الحفلة» السنوية، وكان يدعو إليها وجوه الشاميين من علماء وموظفين وتجار، وكلّفني أن أكون خطيبها. وكنت أكتب خطبي، فأعددت خطبة قال مَن سمعها (ما قال لي ولكن قال عني فبلغني) بأنها كانت شيئاً جديداً ما ألِف الناس يومئذٍ مثله ولا عرفوه، في موضوعها وأفكارها، وفي أسلوبها وإنشائها، وفي طريقة إلقائها. وكان ذلك سنة 1345 هجرية وأنا شاب في زهرة الشباب، حسن الوقفة، جهير الصوت، صحيح النطق، ولولا الحياء لقلت إني جميل الصورة أيضاً!
تلك كانت بدايتي في التعليم وفي الخطابة، وفي هذه المدرسة (ثم في غيرها) كانت بداية اتصالي بعالَم المسرح والتمثيل، وفيها اخترعت فنّ الإلقاء [1].
تدفّق في نفسي ينبوع من النشاط ومن الابتكار. جئت بالمحراث القوي وبالبذر الجيّد وبالسماد الصالح، ولكني أعملت محراثي ونثرت بِذاري في أرض لا تصلح للزراعة، فحملت المشاقّ وكثرة الإنفاق، ولم أخرج بطائل. ولو كان هذا الجهد في الجامعة أو في مدرسة ثانوية، عند من يقدّره قدره ويهتم به، لجاء بأطيب الثمر وأكثره ولم يذهب هدراً مع تلاميذ صغار لا قدّروه في حينه ولا حفظوه بعده، بل إن أكثرهم لم يكمل دراسته، بل انصرف إلى أعمال الدنيا فلم تعُد تربطه رابطة بالعلم والأدب.
* * * [1] لهذا الإيجاز تفصيل في الحلقة الثامنة والثمانين (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 361