نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 332
لذلك أعود إلى الكلام فيها كلما عادت دواعي الحديث عنها. وضربت في تلك المحاضرة مثلاً لها لا أزال أعود إليه لأني لم أجد إلى الآن مثلاً أصدق منه: بردى حين يلتقي بنبع الفيجة فيمشيان معاً نحو مئة متر لا يختلطان، تملأ كأسك من بردى من اليمين ماءً نظيفاً لكن فيه شيئاً من العكر، وتملؤها من الشمال من الفيجة ماءً عذباً زلالاً ليس في الدنيا أعذب منه ولا أصفى ولا أبرد [1]. ثم يمتزجان فيكون منهما نهر جديد ليس في صفاء الفيجة ولا في اغبرار بردى.
هذا مثال الأمم في مراحل الانتقال؛ حين تلتقي حضارتان ويمتزج شعبان، أو تجتمع عقليتان وثقافتان. وكل شعب من الشعوب العربية جاز هذه المرحلة، بعضهم خلص منها أو نأى عنها، وبعضهم لا يزال فيها.
كان في مصر مثلاً (أيام سفري إليها) مشايخ وأفندية، أزهر وجامعة، محاكم شرعية ومحاكم مدنية ... يختلفان في الزيّ وفي التفكير وفي تقويم (لا تقييم) [2] الحياة، يمشيان كالخطّين المتوازيَين يتجاوران ولا يتلاقيان، يتكلمان بلسانَين ويفكّران بعقلين، فلا يكاد الشاب يفهم ما يقول الشيخ ولا يرتضي تفكيره، ولا كان الشيخ يعرف الطريق إلى إفهام الشاب وإثارة اهتمامه بما يفكر هو فيه. [1] يتراهن الناس: من يستطيع أن يُبقي يده فيه خمس دقائق؟ إنه ماء مثلّج (أو ثلج مموّه). [2] تقييم غلط ولو حاولوا تبريره! وأصلها قام (أي قَوَم).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 332