نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 278
ومن أطرف ما كان ما ذكرته في خطبتي في حفلة الجزائر في أواخر الخمسينيات: كان في الاستحكام في العقيبة (حيث كنت أسكن أيام الثورة) ضابط باريزي أشقر ناعم، كأن رجولته خطأ مطبعي في سجلّ الحياة أو كأنه أنثى متخفية في ثوب رجل. أَحَبّ أن يرى صورة حسن الخرّاط، فجاءه أحد ظرفاء الحيّ بصورة عنتر التي تُعلَّق في المقاهي، فلما نظر إليها ورأى سواداً كالليل وعينين تتّقدان كعينَي الصقر وشاربَين كساريتَي مركب، انخرط بطنه وأصابه الزُّحار (الدوسانطريا) فحُمل من فوره إلى المستشفى.
بقينا على هذا سنة وبعض السنة، الفرنسيون في داخل البلد والثوار في أطرافها وفي الغوطة مِن حولها. ننام على انطلاق الرصاص ونصحو على تفجّر القنابل، نهدأ ساعات من الليل قد تطول وقد تقصر، ثم تفجَؤنا [1] الهزّات والرجّات، حتى صرنا نميز طلقات بنادق الثوار من رشاشات الجند، تلك تقول: «ون ن ن ن» وهذه تقول: «طق طق طق»، وطلقات مدافع الدبابات: «دج دج».
يهجم الثوار فيرد الجند من «الاستحكامات»، ثم تخرج الحملة، ثم ترجع مكسورة. ما أضعف الثورةَ إلاّ الذين خُدعوا من أبناء الشركس الذين تطوعوا للقتال وجنود السنغال الذين أُجبِروا عليه، ويوم القيامة يُبعثون على نيّاتهم ويؤاخَذون هم وغيرهم بأعمالهم، وفي رحمة الله متّسَع لكل من مات على الإيمان. اللهم [1] هكذا تكتب الهمزة هنا لأن الضمّ أقوى من الفتح.
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 278