نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 23
الذي اختارها لمنطقة المصانع ولا متى كان ذلك، فقامت مكان الأشجار الضخمة التي تثمر الجوز مداخنُ تنفث الدخان.
الذي يقف على باب داره يرى الطريق والدكاكين والمارّة رؤية وضوح وبيان، ولكنه لا يرى ما بعد المنعطف ولا ما وراء الحيّ. فإن صعد المنارة رأى الحيّ كله، فاتسعت ساحة النظر ولكن قلّت تفاصيل المنظور. فإن ركب الطيارة أبصر البلدة كلها بنظرة شاملة لأطرافها مبيّنة لحدودها، لكنها مضيّعة لتفاصيلها ماحية لدقائقها.
فما صورة دمشق التي عرفتها وأنا صغير؟
كنت إذا صعدت جبل قاسيون وبدت لي دمشق بغوطتَيها، وانجلت لعينَيّ لوحة عرضها أكثر من عشرين كيلاً، ألفّها بنظرة واحدة من شرفة داري؛ أرى الدنيا كلها تجمّعت مصغّرة فيها: فالعمران في البلد يتوسطه الجامع الأموي وقبة النسر التي كانت -منذ كانت- من أعظم القِباب التي أقامها العقل المفكر واليد الصَّنَاع، والحدائق والجنّات من حولها، وبردى وأبناؤه الستة تجري من تحتها، والمِزّة [1] تنظر إليها، وقاسيون يطلّ عليها، وسهول المزّة والكسوة تجاورها. فيها كل ما في الدنيا من سهل وجبل، وبستان وقفر، وساقية ونهر، ومسجد وقصر، إلاّ البحر. [1] يلفظها أهل الشام بفتح الميم والصوابُ كسرها. هي كذلك في معجم ياقوت وفي القاموس المحيط والتاج، وضبَطها كذلك العلامة عبدالقادر المغربي في «عثرات اللسان» (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 23