responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 223
وصلّيت الفجر ولبثت قاعداً أرقب طلوع النهار، فما كاد يطلع حتى ولّيت وجهي شطر المدرسة. ولم يكُن لي أبٌ أستأذنه فقد تُوفّي أبي قبل تلك السنة، ولم يكُن لي أخ كبير أستشيره، فكنت أصدر عن رأي نفسي وحدها. ووجدت باب المدرسة مغلَقاً لمّا يُفتَح، فمررت برفيقي محمد الجيرودي (المحامي) وكان يسكن بجوار المدرسة، فأمضيت عنده ساعة وخضت معه في كل حديث، ولكنني لم أعرج على ما في نفسي ولا أشرت إليه. وذهبنا إلى المدرسة معاً، فلما قُرع الجرس وهمّوا بالدخول وقفت فخطبت، وهيّجت وحمّست ودعوت إلى الإضراب. فاستجابوا جميعاً، لا لما ألقيت عليهم بل لما كان من الاستعداد في نفوسهم، فقد كانوا يلبّون إن دُعوا بهمسة يهمس بها صاحبها ويختبئ، فكيف وقد دُعوا (لأول مرة) بخطبة معلَنة يلقيها صاحبها ويقف؟
ذلك لأنها كانت أيام نضال، وكانت الأمة كلها كالجنود في الثكنة؛ ينامون على استعداد ويقومون على استعداد، لا يسمعون صوت الداعي حتى يفزعوا إلى أسلحتهم ويهبّوا سِراعاً إلى صفوفهم، فلا ترى البلدة هادئة مفتّحةً أسواقُها حتى تسمع من كل دكّان صوت الغَلَق ينحدر، وترى المظاهرات قد قامت ودبّابات الفرنسيين قد نزلت والمعارك قد ابتدأت.
لم يكُن مكتب عنبر في الحقيقة مدرسة، بل كان يومئذٍ مجمع الشباب المثقّف ومصدر كل حركة وطنية، وكان لُبّ البلد. وكانت الإضرابات تُعَدّ في الخفاء لئلاّ يُعرَف مَن دعا إليها فيعاقَب، فلما رآني الطلاّب أجهر وأُعلِم لا أختفي ولا أتوارى،

نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست