responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 133
لا، لم يمتنع التلاميذ وبعض المعلمين من استقبال الجنرال تأثراً بخطبتي، بل لأن النفوس كانت كالقنبلة المحشوّة بالبارود لا ينقصها إلاّ أن تسحب منها مسمار الأمان. كانت الأمّة كجبل البركان، إذا كان خامداً وطئتَ صخره بالنعال وقرعتَه بالمطارق، فتحسبه -إذ لم يتحرك- أنه قد مات، وإذا به ينفجر فيذيب الصخر ويُلهب الأرض، وتَخرج منه النار التي تدمر كل شيء بإذن ربها.
من الذي دفعني لإلقاء هذه الخطبة وأنا لا أخالط أحداً ولا أعرف إلاّ بيتي ومدرستي والطريق بينهما، حتى إنني لم أعلم إلاّ بعد ذلك التاريخ بسنين طوال بالثورة (الرائدة) التي قام بها إبراهيم هنانو في الشمال ولا بثورة صالح العلي؟ لا، لم يحرّكني أحد ولم يوجّهني أحد إلا مشاعر الحرية والإباء التي كانت تملأ كل نفس في الشام، بل هي عزّة المؤمن، مهما خبت نارها فإن جذوتها باقية، إذا هبّت عليها ريح الإيمان توقّدَت وعلا لهيبها.
كنت أمشي مرة (في تلك الأيام) في حيّ العِمارة قرب الأموي، وكان الناس لم يفيقوا بعدُ من صدمة الهزيمة في ميسلون ولم يألفوا منظر جنود الفرنسيين يطؤون بنعالهم مدينة معاوية وعبد الملك وصلاح الدين، فكانوا في شبه رعب منهم. وكان جنود الفرنسيين لا يمشون إلاّ جماعات، فمرّت امرأة مسلمة محجَّبة بالملاءة فتعرضوا لها ووقفوا في طريقها، فجعلَت تتلفّت مذعورة تستغيث والناس ينظرون إليها وإلى الجنود المسلّحين، وإذا ببيّاع كبير السن قد اعترته حالٌ كأنها الصدمة الكهربائية، فوقف ينادي بصوت تحسّ منه لذع النار وفورة الدم: ويلكم! أما عاد فينا دين ولا شرف؟ ثم يأخذ العصا التي يفتح بها غلق

نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي    جلد : 1  صفحه : 133
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست