نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 123
منهم الضباع. وهذه الجادّات تعلو متوازية في الجبل، الأولى جادة ناظم باشا التي يمشي (أو كان يمشي) فيها الترام. وناظم باشا أحد الولاة العثمانيين المصلحين، هو الذي أنشأ حيّ المهاجرين لمّا صار والي دمشق سنة 1313هـ (وفي كتابي «دمشق» فصل بيّنت فيه تاريخ إنشائه)، وهو الذي جرّ مياه عين الفيجة [1] إلى دمشق وجعلها سبلاً في الطرق والحارات، وله مآثر كثيرة، وفي كتابي «قصص من الحياة» قصة عنه عنوانها «النهاية» [2].
وإن أنت قدمت دمشق في الليل ونظرت من بعيد إلى هذه الجادات (من الكِسوة [3] إن كنت قادماً في البرّ أو من شرقيّ الغوطة إن كنت آتياً في الطيارة من الجو) رأيت أضواء هذه الجادات سلاسلَ من العقود تلمع في جيد قاسيون. منظرٌ ما رأيتُ مثله على كثرة ما سرت في البلاد ورأيت من المدن. ومهما أبصرتُ من جبال فما أظن أني رأيت أبهى ولا أجمل من قاسيون، إلاّ جبل أُحُد لمّا رأيته أوّل مرّة هفا إليه قلبي وذكرت بلدي. على أن أُحُداً أفضل وأشرف، فضّله قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أُحُدٌ جبلٌ يحبُّنا ونحبّه»، وشرّفته صلته بالرسول وبتاريخه، أمجد تاريخ بشري وأطهره وأسماه.
* * * [1] نبع غزير الماء في قرية تبعد عن دمشق عشرين كيلاً، ثلثا ماء نهر بردى منها، وهي معقَّمة (بلا تعقيم) خالية من الجراثيم. [2] سها جدّي هنا فسمّاها «النهاية»، وعنوان القصة هو «في شارع ناظم باشا»، وهي زاخرة بالمعاني فيّاضة بالمشاعر تمسّ شغاف القلب، فلا ينسَ قارئ لهذا الفصل أن يعود إليها فيقرأها (مجاهد). [3] قرية بظاهر دمشق إلى الجنوب منها (مجاهد).
نام کتاب : ذكريات نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 123