نام کتاب : قصص من التاريخ نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 131
وبدأت تتسرب إلى القصر أخبار عجيبة عن الخليفة الجديد؛ فمن خادم يدخل مسرعاً يخبر أن الخليفة رفض مراكب الخلافة وألغى الموكب المعتاد وركب دابته ... وآخر يأتي يقول إن الخليفة أعلن إلغاء حفلات البيعة بما كان لها من العظمة والجلال ... وثالث يقول إنه أبى أن يمد يده إلى شيء من أموال الخزانة ... !
وتسمع فاطمة هذه الأخبار فلا تكاد تصدقها! إنها تعرف زوجها الشاب المتفتح قلبه لنعيم الدنيا، الغارق في الرفاهية والنعيم والمتع الحلال ... فما له يُعرض عن الدنيا التي جاءته مقبلة عليه، ملقية بكل ما فيها من جميل وجليل عند قدميه؟
وعاد الخليفة إلى قصره، ولكنه عاد رجلاً جديداً. لقد تبدل فيه كل شيء؛ لقد بدت النعمة للناس بحكمه منذ بويع، ولكن أهله رأوا في بيعته بوادر الشقاء!
وتلقته فاطمة، فإذا الأيام الثلاثة التي غاب فيها عنها قد فعلت فيه فعل ثلاثة قرون! وإذا هو شاحب الوجه من أثر السهر في مصالح الناس، مضطرب الأوصال من ثقل الأمانة وخوف الله، فانشعب قلبها رأفه به، وإشفاقاً عليه.
وقال لها: يا فاطمة، قد نزل بي هذا الأمر وحملت أثقل حمل، وسأسأل عن القاصي والداني من أمة محمد، ولن تدع هذه المهمة فضلة من نفسي ولا من وقتي أقوم بها بحقك عليّ، ولم تبق لي أرباً في النساء. وأنا لا أريد فراقك ولا أوثر في الدنيا أحداً عليك، ولكني لا أريد ظلمك، وأخشى ألا تصبري على ما اخترته لنفسي من ألوان العيش، فإن شئت سيّرتك إلى دار أبيك ...
نام کتاب : قصص من التاريخ نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 131