الشريعة رحمة كلها:
ولأن الشريعة الإسلامية التي شرعها الله لعباده رحمة كلها كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
لذلك نجد القرآن كثيرًا ما يُحذر من الظلم وعاقبة الظالمين، ويعرض الصور المختلفة للظلم ليجتنبها الناس.
مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
ولا يكتفي القرآن بذلك، بل إنه كثيرًا ما يتحدث عن فضل الإحسان ليستثير المشاعر، ويولد الرغبة، ويقوي العزيمة بصوره وأشكاله.
فلقد أخبر سبحانه وتعالى في كتابه أنه يُحب المحسنين.
قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
وأن رحمته سبحانه قريبة منهم: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، ويُذكرنا بأن مردوده سيعود على صاحبه، قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7]، وأن معيته - سبحانه - ستكون للمحسنين {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وجعل الإنسان طرفا تنعقد به العروة الوثقى مع الطرف الآخر وهو الاستسلام التام لله، قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22].
من فوائد الإحسان:
فإن قال قائل: ولماذا جعل الله الإحسان بين الناس بهذه المنزلة؟
مما لا شك فيه أن هناك فوائد كثيرة تعود على الفرد وعلى المجتمع إذا ما شاع الإحسان بين الناس.
فعلى مستوى الفرد فالإحسان قادر على علاج شح النفس وأثرتها، والشُح كما نعلم مفتاح كل شر، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
وليس الشح مقصورًا على الشُح بالمال، ولكن له أوجه كثيرة كالشح بالوقت والجهد والنصيحة.
أما على مستوى المجتمع: فبالإحسان يتحقق مفهوم الجسد الواحد والأمة الواحدة. فلو انشغل كلٌ منّا بنفسه فقط ما تعلم متعلم، ولا سارع أحد في نجدة ملهوف أو خدمة محتاج، ولا ذهب مسلم إلى مريض ليعوده، أو جار ليزوره، أو لمتخاصمين ليصلح بينهما، وما اشتغل أحد بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فيؤدي ذلك إلى تفشِّي الأمراض الاجتماعية في المجتمع وانهيار أركانه، فالإحسان إذن ضروري لتحقيق السعادة للفرد والمجتمع.