إخراج العلاج النفسي كعامل في العلاج التربوي
إذاً: اللامبالاة لا تعني عدم تربية، أو توقفاً عن التربية، وإنما تساوي تربية سيئة مدمرة لهذا الطفل.
تألمت جداً حينما كنت أقرأ بعض الأوراق في مقالة بالإنجليزية، وكان يتكلم هذا الرجل التربوي الأمريكي عن معالجة موقف معين من المواقف، فيقول: في هذه الحالة لا يوجد لهذا حل، فقد عملت خطأ جسيماً لا يكفي لحله أن نكتب كلمتين في ورقة، فإما أن تذهب إلى الأخصائي الاجتماعي في المدرسة، وإما إلى رجل من رجال الكنيسة.
انظر كيف ساوى رجل الكنيسة بالأخصائي النفسي؛ لأن هؤلاء يهتمون جداً بدراسة النواحي النفسية، والثقافة التربوية، ولذلك ساوى بين رجل الدين وبين الأخصائي النفسي؛ لأنه يدرس هذه الأشياء.
ولذلك أقول: إن كل من ينتمي إلى الدعوة بل كل أب، يحتاج إلى أن يفقه في الجانب النفسي في التربية أعظم الفقه، ونحن أولى من الكفار بأن نهتم بهذه الأشياء، بل أحياناً تحدث بعض التصرفات التي تلفت النظر في الأطفال، وكلما انتبهنا إليها مبكراً سهل علاجها.
نحن ننكر الحقيقة كي لا نواجهها، كشخص عنده أعراض مرض السكر، والدكتور يقول له: أنا أشعر أن عندك سكراً، فعليك بإجراء تحليل للدم، فلم يجر التحليل، ويقول: أنا خائف أن يكون عندي سكر، وهل هذا سيقطع عنك البلاء؟ لماذا لا تأخذ بالأسباب، وتحرص على ما ينفعك؟ ومفهومه: اجتنب ما يضرك.
فالشاهد أنا عندنا مفهوماً في غاية الخطورة، وهو النظر إلى الطب النفسي على أنه وصمة عار، فمن ذهب للأخصائي النفسي لابد أن يختفي عن الأنظار، ويظن من يراه هناك بأنه مجنون.
ومن علامات تخلف المجتمعات في هذا العصر، ينظر أن الإنسان هذه النظرة لأناس أفنوا أعمارهم في دراسة هذه الأشياء، والتعامل معها بأساليب علمية لا تتصادم مع ديننا على الإطلاق.
لكن ينبغي أن يذهب الإنسان إلى من هو متدين من هؤلاء الأخصائيين لأننا نظل نتهرب ونتهرب، ونضطر بعد ذلك مرغمين إلى اللجوء للطبيب النفسي بعد استفحال الاضطراب في الأطفال، فأي شيء يلفت النظر، ونحن لسنا بغنى عن الاسترشاد بكلام الأخصائيين في هذه الأبواب.
في الحقيقة إذا كان هذا الكلام يعم جميع الناس، فإن المسئولية على الملتزمين مضاعفة، فموضوع التكيف مع الواقع أو مع البيئة من حولنا مهم جداً، والناس الذين لا تهمهم معاناة أبنائهم لا يعانون كثيراً، ولكن الإخوة الذين يريدون أن يحافظوا على دينهم وعلى ذريتهم في عصر الغربة الثانية تتضاعف عليهم المسئولية؛ لأنك ستحارب بمجرد خروجك من البيت إلى الشارع، وفي كل مكان تذهب إليه، فما بالك بالطفل أو الصبي أو الشاب الغض الطري الذي يواجه المتناقضات حيثما حل، ويواجه الغربة، فأنت مع الوقت أصبح عندك مناعة من التأثر بالنقد والألفاظ المؤثرة كالمتطرفين والإرهابيين وكذا وكذا، أما هذا الطفل فيحتاج بلا شك إلى عناية خاصة كي يمر بسلام إلى شاطئ الالتزام الحقيقي بالدين، فنحن نواجه كما قلت: صعوبات كثيرة في الواقع، أما الدارسات التربوية والمنهج التربوي فإن الكلام كله أكاديمي لأناس متخصصين، فلا نستطيع أن نتعامل معه.