نام کتاب : نظرات في التربية الإيمانية نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 53
فالإيمان يتناول جميع المشاعر؛ ولكي نتعامل مع أحداث الحياة المختلفة وتقلباتها تعاملًا إيمانيًّا يتناسب مع كل حدث؛ لابد من أن يكون هناك إيمان مستقر في كل شعور من مشاعره، كالحب والبغض، والرغبة والرهبة، والسكينة والطمأنينة، والفرح والاستبشار، والندم، و ... .
فالإيمان المتكامل هو الذي يدفع صاحبه لحسن التعامل مع الأحداث المختلفة كما قال صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر وكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» [1].
والحد الأدنى المطلوب وجوده من الإيمان في جميع المشاعر - ومن ثَمَّ الانتصار في معركة ردود الأفعال مع الأحداث - هو أن تكون نسبة وجوده أعلى من نسبة وجود الهوى حتى تكون له الغلبة عليه.
فعلى سبيل المثال: لو تكلمنا عن شعور الحب كأحد المشاعر الرئيسة، فمن المتوقع أن يحتوي على حُب النفس، والوالدين، والزوجة والأولاد، والمال، و ... .
كل ذلك لا بأس من وجوده إذا كان حُب الله أكبر من حُبِّهم مجتمعين {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
وفي الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... » [2].
فإذا تعارض حب الله مع أي منهم تغلَّب حب الله عز وجل، ومن ثَمَّ يكون القرار لصالحه وليس العكس: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
جناحا التربية الإيمانية
الفارق بين الحالة الإيمانية وبين الاستقرار الإيماني هو أن الحالة أمر عارض يحدث للقلب عند تعرضه لمؤثر قوي يُثمر انفعالًا وقتيًّا قد يُصاحبه سلوك يُعبر عنه.
أما الاستقرار الإيماني فهو استقرار الإيمان (بالشيء) في القلب، وتمكنه منه، ومن ثَمَّ التعبير الدائم عنه بالسلوك المناسب له.
مع الأخذ في الاعتبار بأن الإيمان ليس مكانه مشعرًا واحدًا فقط، بل يتناول جميع المشاعر، ولكي نتعامل مع أحداث الحياة وتقلباتها وأقدارها المفرحة والمؤلمة بتعامل إيماني يُناسبها لابد من وجود إيمان مستقر في جميع المشاعر ويُشكل جزءًا معتبرًا فيها تتجاوز نسبته كل ما تحتويه المشاعر من هوى ..
ليبقى السؤال: وكيف نبني الإيمان في كل المشاعر بناء مستقرًا يغلب الهوى؟
هل نُكثر من النوافل؟ هل نطيل المُكث في المسجد؟ هل نُكثر من أداء العُمرات؟
كل هذا طيب وحسن، ولكننا - كما أسلفنا - نرى أُناسًا يفعلون ذلك، ونجد سلوكياتهم تتناقض - إلى حد كبير - مع عباداتهم، فقد نجدهم جّزِعين عند المصائب، حرصين على تحصيل أكبر قدر من الدنيا، و ... إلخ.
وليس معنى هذا هو التقليل من شأن هذه الأعمال، فالعبادات كلها أنوار ووسائل قُرب من الله عز وجل، ولكن المقصد هو البحث عن الحلقة المفقودة في منظومة العبادات والسلوك، والتعرف على السبب الذي يُقلل من أثرها في الواقع، وهذا يستدعي التعرف على عبادات القلوب وعبادات الجوارح.
الإيمان والعمل الصالح:
التربية الإيمانية لها جناحان لا تكتمل إلا بهما، وهما: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، أو بعبارة أخرى: الإيمان والعمل الصالح. [1] أخرجه مسلم (4/ 2295، رقم 2999). [2] متفق عليه، البخاري (1/ 14، برقم 12، 5694، 6542)، ومسلم (1/ 67، رقم 43).
نام کتاب : نظرات في التربية الإيمانية نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 53