لفلان من أولاده: جند، وللأمير من غلمانه: عسكر، يريد بذلك جميع أولاده وغلمانه لا بعضهم، فكذلك الأمر ها هنا.
والقول الثاني: أن من هنا للتبعيض، والقائلون بهذا القول اختلفوا أيضًا على قولين:
أحدهما: أن فائدة كلمة من هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة، ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل: النساء، والمرضى، والعاجزين.
والثاني: أن هذا التكليف مختصّ بالعلماء، ويدل عليه وجهان:
الأول: أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم بالخير وبالمعروف وبالمنكر، فإن الجاهل ربما دعا إلى الباطل وأمر بالمنكر، ونهى عن المعروف، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه، فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من يزيده إنكاره إلا تماديًا؛ فثبت بهذه الوجوه أن هذا التكليف متوجه على العلماء، ولا شك أنهم بعض الأمة، ونظير هذه الآية قول الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
والقول الثاني: قالوا: إنا جمعنا على أن ذلك واجب على سبيل كفاية بمعنى: أنهم متى قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا كان كذلك كان المعنى ليقم بذلك بعضكم، فكان في الحقيقة إيجابًا على البعض لا على الكل,