شرطيًّا؛ فقال المعتضد بأمر الله: ما حاجتك؟ قلت: تأمر بإخراجي سالمًا فأمر لي بذلك، وخرجت إلى البصرة فلبثت بها أكثر أيامي خوفًا من أن يسأل حاجة يسألها المعتضد فأقام بالبصرة إلى أن توفي المعتضد، ثم رجع إلى بغداد".
والمتدبر لمثل هذا الموقف يرى أن الذي يحتسب الأمر عند الله بنفس الروح التي احتسب بها هذا الرجل لا يهمه مكانة المحتسب عليه حتى ولو كان الحاكم أو الأمير؛ لأن الناس تجاه أوامر الشريعة سواسية لا فرق بين سوقي ولا حاكم، والمحتسب يقوم بواجبه تجاه الجميع، ومع الجميع.
وملحظ آخر: هو أن المسلم الذي تبلغه دعوة الحق سواء كان حاكمًا أو محكومًا لا يتوان في قبولها، ولذا نرى موقف الخليفة الذي ذُكِّر فتذكر، ونصح فاستفاد، لم يكن إلا أن زاد في صلاحية هذا المحتسب، وأطلق يده في تغيير كل منكر، ولا يسع المسلم الحق إلا أن يمتثل ويعمل بصدق وإخلاص إذا عرف الحق وذكر به.
ومن صور الحسبة أيضًا: هو التي تتمثل فيها جرأة المحتسب في تغيير المنكر، وعدم مداهنة المحتسب عليه لمنصب يرجوه، أو حظوة ينتظرها، كما تتمثل الغاية في التأثر والقبول من الحاكم ما ذكره ابن بسام المحتسب في كتاب (نهاية الرتبة) من أن أتابك سلطان دمشق طلب له محتسبًا، فذكر له رجل من أهل العلم فأمر بإحضاره، فلما بصر به قال: "إني وليتك أمر الحسبة على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقال هذا المحتسب: إن كان الأمر كذلك فقم عن هذه الطراحة وارفع هذا المسند الذي وراء ظهرك فإنه حرير، واخلع هذا الخاتم من إصبعك فإنه ذهب، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذهب والحرير: ((إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)) قال: فنهض السلطان عن