ذلك يا أبا فلان؛ فقال له أبو سعيد الخدري: أما هذا فقد قضى ما عليه، قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وتزداد قيمة النصيحة ويعظم أجر بذلها عند من يخاف شره، ويخشى بطشه، وتكثر أخطاؤه وفجوره حتى تصل إلى أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)).
ومن هذا المنطلق كان المحتسب يقصد مجالس الأمراء والولاة، ويعظهم، ويطالبهم بالشفقة على الرعية، والإحسان إليهم، ويذكرهم بمسئوليتهم وعظمها من خلال إيراد بعض النصوص الشرعية التي تبين ذلك.
ومن صور احتساب العلماء على الأمراء: أنه جاء عن أحمد بن إبراهيم المقري قال: "كان أبو الحسن النوري رجلًا قليل الفضول لا يسأل عما لا يعنيه، ولا يفتش عما لا يحتاج إليه، وكان إذا رأى منكرًا غيره ولو كان فيه تلاحم، فنزل ذات يوم إلى مشرعة تعرف بمشرعة الفحامين يتطهر للصلاة إذ رأى زورقًا فيه ثلاثون دنًّا مكتوبا عليها بالقار: لُطْف، فقرأه، وأنكره؛ لأنه لا يعرف في التجارات ولا في البيوع شيئًا يعبر عنه بلطف؛ فقال الشيخ -رضي الله عنه- للملاح: أي شيء في هذه الدنان؟ فقال: وأي شيء عليك؟! امض لشغلك، فلما سمع النوري -رحمه الله- من الملاح هذا القول ازداد تعطشًا إلى معرفته؛ فقال له: أحب أن تخبرني أي شيء في هذه الدنان؟ فقال له الملاح: أنت والله صوفي فضولي، هذه خمر المعتضد بأمر الله يريد أن يتمم به مجلسه.