ومن هنا ندرك حرص الحكام المسلمين على تلقي النصيحة من أفراد رعيتهم، وهم يعتبرون ذلك تقويمًا لعملهم، ومدى التزامهم بتطبيق شرع الله، بل يستعينون بهذا النصح والحسبة عليهم في القيام بمهام مسئولياتهم تجاه ما استرعاهم الله -عز وجل- من أمر الرعية الذين يسوسونهم ويقودونهم إلى الله -عز وجل.
ومن هنا جاءت النصوص مستفيضة بوجوب طاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية، ومن أظهر هذه الأدلة ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك))، ومعنى الأثرة: استئثار السلطان باختصاصات من أمور الدنيا.
يقول الإمام النووي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم، بل ولا يلتفت لأصل أو نسب الحاكم، ولا يكون ذلك مانعًا لعدم الطاعة، فقد أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسمع والطاعة وإن تأمر علينا غير نسيب ما دام يطبق فينا شرع الله ويقيم حدوده، فقد روى الإمام مسلم -رحمه الله- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: ((إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدع الأطراف))، كما أنه لا يقدح في ولي الأمر أن يكون أقل علمًا من غيره، فجمهور الفقهاء قالوا: تجوز إمامة المفضول، وصحة بيعته؛ لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار، وليست معتبرة في شروط الاستحقاق".
إذًا فلا بد من وجود الإمارة والولاية؛ لأنه سبب للم شمل المسلمين، ولو تولاها فاجر، فاجتماع القدرة في الحاكم والصلاح في الدين من الصفات التي قد لا تجتمع لكل الناس، ولهذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة".
وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن الرجلين يكونان في الغزو أحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: "أما الفاجر القوي فقوته