قال في جواب هذا الاعتراض: فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها؛ إذ الحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق الله؛ صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر، ومنع المجنون عن الزنا وإتيان البهيمة لحق الله، وكذا منع الصبي عن شرب الخمر، والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين:
أحدهما: حق الله تعالى، فإن فعله معصية.
والثاني: حق المتلف عليه.
فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى، فلو قطع طرف غيره بإذنه، فقد وجدت المعصية، وسقط حق المجني عليه بإذنه، فتثبت الحسبة والمنع بإحدى العلتين، والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية، ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين، ولكن فيه دقيقة، وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة، بل حفظ مال المسلم؛ إذ البهيمة لو أكلت ميتة، أو شربت من إناء فيه خمر، أو ماء مشوب بخمر، لم نمنعها منه، بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف، والميتات، ولكن مال المسلم إذا تعرض للضياع، وقدرنا على حفظه بغير تعب، وجب علينا حفظًا للمال، بل لو وقعت جرة من علو، وتحتها قارورة لغيره، فتدفع الجرة لحفظ القارورة، لا لمنع الجرة من السقوط، فإنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن تصير كاسرة للقارورة.
ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة، وشرب الخمر، وكذا الصبي، لا صيانة للبهيمة المأتية، أو الخمر المشروب، بل صيانة للمجنون عن شرب الخمر، وتنزيها له من حيث إنه إنسان محترم.
فهذه لطائف دقيقة لا يتفطن لها إلا المحققون، فلا، ينبغي أن يغفل عنها، ثم فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر؛ إذ قد يتردد في منعهما من لبس الحرير وغير