من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله -عز وجل- فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".
أورد الإمام ابن أبي العز -رحمه الله- في (شرح العقيدة الطحاوية) من الكتاب والسنة ما يشهد لما نطق به الإمام الطحاوي، واعتقده أهل السنة في الصبر على أئمة الجور.
ثم قال -رحمه الله- بعدما أورد تلك الأدلة: "وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فإنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار، والتوبة، وإصلاح العمل، فإن الله تعالى قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30).
وقال تعالى ردًّا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد تساءلوا بعدما أصابهم يوم أُحد ما أصابهم: {أَنَّى هَذَا} (آل عمران: 165)، كيف يصيبنا هذا الذي أصابنا، ونحن المسلمين أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأجابهم الله تعالى بقوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165)، وقال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (النساء: 79)، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام: 129).
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم، فعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله: "أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم".
هذه قاعدة مهمة جدًّا في تغيير المنكر يجب على المحتسب أن يعيها وأن ينتهي عندها، كما يجب على طلاب العلم أن يهتموا بها وبفهمها وفقهها وأن ينتفعوا بها.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.