فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر، أو النهي، أو الإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن، إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف، والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء حتى على الإسلام، وظهر.
فالعالمُ في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات، وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيانها.
ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء، وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل؛ لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم؛ فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبًا في الأصل، والله تعالى أعلم".
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في (شرح رياض الصالحين) في باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو يتكلم عن شروط التغيير: الشرط الثالث: ألا يزول المنكر إلى ما هو أعظم منه، فإن كان هذا المنكر لو نهينا عنه زال إلى ما هو أعظم منه؛ فإنه لا يجوز أن ننهى عنه؛ درءًا لكبرى المفسدتين بصغراهما؛ لأنه إذا تعارض عندنا مفسدتان، وكانت إحداهما أكبر من الأخرى، فإننا نتقي الكبرى بالصغرى.
مثال ذلك: لو أن رجلًا يشرب الدخان أمامك، فأردت أن تنهاه وتقيمه من المجلس، ولكنك تعرف أنك لو فعلت لذهب يجلس مع السكارى، ومعلوم أن