لقد نص الإسلام على حرية العقيدة في كتابه الكريم، حيث يقول الله تعالى في ذلك: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} (البقرة: من الآية: 256) ويقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقصر، وإنما بناه على التمكن والاختيار؛ فالله تعالى لما بين دلائل التوحيد بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر، قال بعد ذلك: إنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر، إلا أن يُقصَرَ على الإيمان ويُجبَرَ عليه، وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان.
ومما يؤكد هذا القول، أن الله تعالى قال بعد ذلك: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} يعني: ظهرت الدلائل، ووضحت البينات، ولم يبق بعدها إلا طريق القصر والإلجاء والإكراه، وذلك غير جائز؛ لأنه ينافي التكليف.
ومعنى هذا: أنه إذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه عليه، وكان من نتيجة هذا الإكراه إسلام المكره، فإن حكم الإسلام لا يثبت في حقه، حتى تبدر منه علامات تدل على إسلامه اختيارًا، فإذا مات من أسلم مكرهًا قبل صدور هذه العلامات منه فحكمه حكم الكفار، ولم يعامل معاملة المسلمين، وأيضًا إن رجع إلى الكفر لم يثبت في حقه حكم الردة، وبالتالي لا يجوز قتله، وهذا راجع إلى أنه أكره على شيء لا يبيح الإسلام إكراهه عليه، فلم يثبت حكمه في حقه، وهذه الحالة مشابهة لحالة المسلم إذا أكره على الكفر، حيث لا يعد كافرًا طالما قلبه مطمئن بالإيمان، يقول الله -تبارك وتعالى-: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل: من الآية: 106).
فالله الذي خلق الناس أحرارًا في تفكيرهم، بل وقدس حريتهم، لم يُكرههم على أن يؤمنوا به، ويعبدوه، فهو لم يتعامل معهم بالجبر ولو على الخير، وهذا