نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 560
والميسر أكبر من النفع، فتلك علة تحريم ومنع وإن لم يصرح هنا بالتحريم والمنع.
هنا يبدو لنا طرف من منهج التربية الإسلامية القرآنية الربانية الحكيمة, وهو المنهج الذي يمكن استقراؤه في الكثير من شرائعه وفرائضه وتوجيهاته، ونحن نشير إلى قاعدة من قواعد هذا المنهج بمناسبة الحديث عن الخمر والميسر, عندما يتعلق الأمر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور الإيماني أي بمسألة اعتقادية، فإن الإسلام يقضي فيها قضاء حاسمًا منذ اللحظة الأولى. ولكن عندما يتعلق الأمر أو النهي بعبادة وتقليد، أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث به ويأخذ المسألة باليسر والتدرج، ويهيئ الظروف الواقعة التي تيسر التنفيذ والطاعة, فعندما كانت المسألة مسألة التوحيد أو الشرك أمضى أمره منذ اللحظة الأولى في ضربة حازمة جازمة لا تردد فيها ولا تلفت، ولا مجاملة فيها ولا مساومة، ولا لقاء في منتصف الطريق؛ لأن المسألة هنا مسألة أساسية للتصور، لا يصلح بدونها إيمان ولا يقام إسلام.
فأما الخمر والميسر، فقد كان الأمر أمر عادة وألفة، والعادة تحتاج إلى علاج، فبدأ بتحريك الوجدان الديني المنطقي التشريعي في نفوس المسلمين، بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع, وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى ثم جاءت الخطوة الثانية بآية سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيِكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 43]. والصلاة في خمسة أوقات، معظمها متقارب، لا يكفي ما بينها للسكر والإفاقة، وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشرب، وكسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي، إذ المعروف أن المدمن يشعر بالحاجة إلى ما أدمن عليه من مسكر أو مخدر في الموعد الذي اعتاد تناوله، فإذا تجاوز هذا الوقت وتكرر هذا التجاوز فترة حد العادة، أمكن التغلب عليها، حتى إذا تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الجازم الأخير لتحريم الخمر والميسر [1]. (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 91].
ح- لا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله: كان مكر اليهود، وتآمرهم على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والدولة الإسلامية في غاية الخسة والوضاعة، وكانوا يريدون من مكرهم وغدرهم عزة ورفعة ومجدًا، وغلبة, لكن الله سخر منهم، [1] انظر: في ظلال القرآن (1/ 229).
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 560