نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 179
تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (1)
[الرعد: 31].
إن الحكمة في أنهم لم يجابوا لما طالبوا، لأنهم لم يسألوا مسترشدين وجادين، وإنما سألوا متعنتين ومستهزئين، وقد علم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما طلبوا لما آمنوا، وللجُّوا في طغيانهم يعمهون، ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون، قال سبحانه: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ - وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ - وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام: 109 - 111].
ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يجابوا على ما سألوا؛ لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم آيات فأجيبوا، ثم لم يؤمنوا, عذَّبهم عذاب الاستئصال كما فعل بعاد وثمود وقوم فرعون.
وليس أدل على أن القوم كانوا متعنتين وساخرين، ومعوقين لا جادين, من أن عندهم القرآن وهو آية من الآيات، وبينة البينات، ولذلك لما سألوا ما اقترحوا من هذه الآيات وغيرهم رد عليهم سبحانه [2] بقوله: (وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ - أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ - قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [العنكبوت: 50 - 52].
وقد ذكر عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - رواية مفادها: أن قريشا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك, قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم، قال فدعاه: فأتاه جبريل فقال: إن ربك -عز وجل- يقرأ عليك السلام، ويقول إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة، والرحمة، فقال: بل باب التوبة والرحمة، فأنزل الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآَيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59] [3].
(1) يعني لو أن هناك قرآنا بهذه المثابة لكان هذا القرآن الكريم، فهو ليس له مثيل لا من قبل ولا من بعد، جواب (لو) محذوف دل عليه المقام. [2] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/ 320، 321). [3] صحيح السيرة النبوية، ص90.
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 179