نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 103
إن الدعوة جاءت لتخاطب البشر، كل البشر، ولتنقذ منهم من سبقت له من الله الحسنى، وهذا يعني أن الدعوة جاءت ومن خصائصها، الإعلان والصدع، والبلاغ، والبيان، والإنذار، وتحمل ما يترتب على هذا من التكذيب، والإيذاء والقتل.
إن استسرار النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته أول الأمر، إنما هو حال استثنائي لظروف وملابسات خاصة، وهي ظروف بداية الدعوة وضعفها وغربتها، وينبغي أن يفهم هذا ضمن هذا الإطار.
وإن كان الكتمان والاستسرار, سياسة مصلحية في كثير من أمور الإسلام في الحرب والسلام، فهو كذلك في موضوع الدعوة، فالاستسرار بها كان لضرورة فرضها الواقع, وإلا فالأصل هو بيان دين الله وشرعه, وحكمه لكل الناس، أما الاستسرار بما سوى ذلك من الوسائل والخطط والتفصيلات, فهو أمر مصلحي, خاضع للنظر والاجتهاد البشري، إذ لا يترتب عليه كتمان للدين، ولا سكوت عن حق، ولا يتعلق به بيان، ولا بلاغ، ومن ذلك مثلا معرفة عدد الأتباع المؤمنين بالدعوة، فهذا أمر مصلحي لا يخل بقضية البلاغ والنذارة, التي نزلت الكتب وبعثت الرسل من أجلها، فيمكن أن يظل سرًّا متى كانت المصلحة في ذلك مع القيام بأمر الدعوة والتبليغ؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حتى بعد أن صدع بدعوته، وأنذر الناس وأعلن النبوة, ظل يخفي أشياء كثيرة, لا تؤثر على مهمة البلاغ والبيان كعدد أتباعه، وأين يجتمع بهم؟ وما هي الخطط التي يتخذونها إزاء الكيد الجاهلي [1].
* * *
المبحث الثالث
البناء العقدي في العهد المكي
أولاً: فقه النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع السنن:
إن بناء الدول وتربية الأمم, والنهوض بها يخضع لقوانين وسنن ونواميس تتحكم في مسيرة الأفراد والشعوب والأمم والدول، وعند التأمل في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نراه قد تعامل مع السنن والقوانين بحكمة وقدرة فائقة.
إن السنن الربانية هي أحكام الله تعالى الثابتة في الكون، وعلى الإنسان في كل زمان ومكان, وهي كثيرة جدًا, والذي يهمنا منها في هذا الكتاب ما يتعلق بحركة النهوض تعلقًا وثيقًا.
إن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجدها حافلة بالحديث عن سنن الله تعالى, التي لا تتبدل ولا تتغير، ويجد عناية ملحوظة بإبراز تلك السنن وتوجيه النظر إليها واستخراج العبرة منها, [1] انظر: الغرباء الأولون ص124: 126.
نام کتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 103