نام کتاب : النبوة: اصطفاء وقدوة نویسنده : أحمد مختار البزرة جلد : 1 صفحه : 28
بالذات, وأزهد الناس في تقدم الصفوف, بلد الرئاسة والشرف. وبهذا يكون مجتمع مكة قد شهد على نفسه, وشهد عليه التاريخ بأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي كان وحيد قومه في خصال الخير, وأسباب الفضل والعدل, ومؤهلات الزعامة. ولو تحرينا الإنصاف قلنا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان ولم يزل وحيد الناس, قاطبة, فيها.
ونحن الذين نؤمن بالله ربا وبمحمد نبيا لا نطلب الدليل على صدق ذلك. ولكن الله أقام الأدلة - على ما ذكرناه - في أحداث اجتماعية هامة, لمن شاء أن يتفكر ويتدبر لتظهر هذه المزايا على حقيقتها في مجال التطبيق والعمل في أصدق مظهر في الواقع. وخير حادثة اجتماعية يحيط إطارها بهذه المزايا حادثة الاحتكام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع الركن إلى مكانه من الكعبة, عند تجديد بناءها قبل المبعث بخمس سنوات.
لما بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بيت الله الحرام، وأذن إبراهيم في الناس بالحج, وجاءه المؤمنون من كل فج عميق, وعبرت على ذلك قرون, احتلت الكعبة مكانها الأقدس في قلوب العرب, وعلت مكانة الذين حولها يتعهدون الحجابة, والسقاية, والرفادة, والعمارة والشعائر. وتمتعوا بنفوذ وسلطان وأمن, وأصابوا سؤددا وغنى. فتنافس المتنافسون من جرهم ثم خزا عة على مكة وبيتها الحرام, واستضعفوا أبناء إسماعيل, وغلبوهم على أمر البيت. فاعتزل أبناء إسماعيل السلطة والحكم, وصاروا قطعا حلولا وصرما في قومهم بني كنانة[1] في السهول والبوادي والجبال, فيما حول مكة, يكاثرون, ويظهرون على مناوئيهم حتى رث أمر خزاعة, فجمع أحد رجالهم الأشداء, قصي بن كلاب, القبائل من فهر, وهي التي تؤلف بمجموعها قريشا, واستعان بقوة من اليمن[2], وضرب خزاعة ضربة قاصمة خلصت مكة بعدها له، وانتهي إليه الحكم فيها بغير منازع. وكان قصي بن كلاب أول جد قرشي، لرسول الله صلى الله عليه وسلم حكم مكة فاجتمع له ما للملوك من أسباب الملك، ومن المهابة والسلطان، فدانت له قريش كلها بالسمع والطاعة وجمع في يده السلطة السياسية والدينية فأتاح ذلك لأبنائه[3] فرصاً للنبوغ [1] ابن هشام: م1 ص117. [2] قضاعة وكان عليها رزاح بن ربيعة أخو قصي لأمه. انظر ابن هشام م1 ص118. [3] انظر ابن هشام: م1 ص130- 137.
نام کتاب : النبوة: اصطفاء وقدوة نویسنده : أحمد مختار البزرة جلد : 1 صفحه : 28