نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 174
المؤامرة:
ضاق القوم ذرعا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ووجدوا أنفسهم قد فشلوا في كل محاولاتهم، فشلت وسائل التعذيب والإرهاب، كما فشلت أساليب الخداع والإغراء، كذلكَ باءت حرب الإشاعات بخيبة الأمل.
ذكريات:
عاش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة ذلك البلد الأمين، قضى فيه طفولته وصباه، وشبابه وكهولته وشطرا كبيرا من شيخوخته، وله فيه ذكريات عزيزة يوم كان شابا يافعا، إن حرب الفجار تركت في نفسه رغبة في مقاومة الظلم والوقوف في وجهه، وإن حلف الفضول وما يتضمنه من مكارم الشيم وعظيم الأخلاق قد ملك عليه قلبه حتى أنه قال: "ولو دعيت به في الإسلام لأجبت".
ثم هذه المروج التي كان يخرج إليها يرعى فيها الغنم، لقد أصبحت جزءا من حياته لا يستطيع مفارقتها بسهولة، وإن ذكرى زواجه بالسيدة خديجة - رضي الله عنها - وما قضاه معها من أيام طويلة وجميلة لا تزال ماثلة أمام عينيه، يرى فيها سعادته بزوجه الرءوم، وأولاده الصغار الأبرياء.
وإنه - صلى الله عليه وسلم - ليذكر يوم اشتراكه في بناء الكعبة المشرفة، ويوم رضيه المتخاصمون حكما ينهي بقضائه ما نشب بينهم من نزاع.
إنه يتذكر كل هذا فيجد نفسه مشدودا إلى مكة برباط وثيق، ويذكر حب قومه له وإعجابهم به، وتسميتهم له بالصادق الأمين فترتاح نفسه، ويطمئن قلبه، ولكن ما بالهم الآن يتآمرون عليه، أو ليس هو هو؟ ما الذي حدث حتى يحاولوا قتله؟؟ ماذا جرى حتى يتربصوا به الدوائر؟
وتدور برأسه - صلى الله عليه وسلم- كلمة ورقة بن نوفل: "ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك" ويتذكر سؤاله له "أو مخرجي هم؟ " وهو أقرب إلى الاستنكار منه إلى الاستفهام، ويجيب ورقة إجابة الواثق المتأكد: "نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا"[2].
هذا هو السبب الحقيقي لتآمر قومه به، وثورتهم عليه، إنه جاءهم بالحق، ولكنهم يكرهون الحق الذي جاء به، وإنه ليدلهم على طريق الخلاص، ولكنهم يتمنون أن يمطروا بحجارة من السماء ولا تكون نجاتهم على يديه، لقد أعماهم الحقد، وغشي أبصارهم الحسد. ولم يعد يدور بخلدهم إلا التفكير في التخلص من محمد وما جاء به - صلى الله عليه وسلم- [2] رواه البخاري.
ولقد ثبت بالتجربة أن الهجرة من أنجح الوسائل لنشر الدعوة، وأن الدعاة إلى الله متى ما هاجروا بدينهم مخلصين لله هجرتهم، لا يبغون من ورائها إلا إرضاء الله تبارك وتعالى يجري الله على أيديهم، فتنفتح لهم القلوب، ويجتمع عليهم الناس. فيؤازرون دعوتهم وينشرون عقيدتهم، ويوسع الله لهم في أرزاقهم، ويسبغ عليهم نعمته. {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأََرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [1]. [1] النساء الآية: 100. [2] رواه البخاري.
نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 174