الفصل الثاني
الإسلام دين الروحانية
1 - إن الجوهر البارز للدين من حيث هو دين هو أن توجد فيه الروحانية، والدين الذي يخلو من الروحانية لا يستحق أن يسمى دينا، بل هو جمعية أو هيئة ولا يوجد دين من الأديان القديمة إلا وادعى الروحانية فيه، لكن إلى أي مدى تصح هذه الدعوى وبصرف وجوه النظر عن هذا هل فهم مفهوم الروحانية بطريقة صحيحة.
ومن المسلم به أن الإنسان عبارة عن روح وجسم. وحاجات الجسم تتحقق بالأشياء بالجسمانية والمادية، فالأشياء التي توصف بالترف والتنعم والرخاء والراحة والرغد والمسرة كلها جسمانية، واللذة التي تحصل باستعمالها تتصف أيضا بالمادية.
وهنا يأتي التساؤل: ما هي الأشياء التي يتحقق بها سرور الروح وفرحها؟ وبأي شكل يتحقق هذا السرور الروحي؟ والخطاب هنا لا يوجه إلى الذين ينكرون وجود الروح ويجهلون الروحانية، فإن قصدنا تقديم الإسلام إلى أديان العالم، وليس نقد آراء منكري الأديان.
ألف: لم يذكر بوذا الروحانية بألفاظ واضحة، وهو يرى أن الكمال الأعلى للإنسان وروحه يتمثل في التحرر من قيود الراحة والألم ويتضح بعد التعمق في تعليمه أن دروسه لم تجاوز بيان الأخلاق الإنسانية.
ب - إن تعليم موسى عليه السلام يتضمن بيان التوحيد، ولكن بالقدر اللازم لمراتب الإيمان البدائية. ويتضمن تعليمه رد الشرك، ولكن بالقدر الذي يلزم لرد الشرك الأعظم. وبعد ذلك لا يوجد ذكر للروحانية والسبب هو هبوط فطرة أفراد الأمة وإقبالهم على الدنيا.
ج - إن زبور داود فتح باب المناجاة، وعلم العباد طريقة التضرع في جناب الله تعالى والإنابة إليه، ولكن الهدف الأكبر في هذه المناجاة أيضا هو الانتصار على الأعداء وإبادتهم وسحقهم، وتلونت جميع المناجاة بهذا اللون إلا القليل منها.